![]() |
إعداد : كمال غزال |
في أعماق صحراء إمارة الشارقة في الإمارات العربية المتحدة، وعلى مسافة ليست بعيدة من مدينة المدام، تتربّع على الرمال أطلال قرية صامتة تُعرف اليوم باسم "قرية المدام المهجورة" أو كما يُطلق عليها البعض "قرية الجن".
مكان يغري الفضول ويثير التساؤلات. فالبيوت لا تزال قائمة، المسجد ما زال على حاله، وبعض النوافذ لم تغلق بعد. وكأن الوقت توقّف هناك فجأة… أو لربما هرب.
مكان يغري الفضول ويثير التساؤلات. فالبيوت لا تزال قائمة، المسجد ما زال على حاله، وبعض النوافذ لم تغلق بعد. وكأن الوقت توقّف هناك فجأة… أو لربما هرب.
نبذة تاريخية: مشروع تحول إلى لغز
بُنيت قرية المدام في أواخر السبعينيات كمبادرة إسكانية حكومية لتوفير مساكن ثابتة لقبيلة الكتبي البدوية. وقد سكنها الناس بالفعل لفترة، قبل أن تُهجَر تماماً في التسعينيات. لم تُسجّل كارثة طبيعية ولا نزاع ، ومع ذلك… اختفى السكان وكأنهم لم يكونوا. الأسباب بقيت غامضة، ما فتح الباب أمام روايات كثيرة، من العوامل البيئية القاسية إلى قصص عن قوى خارقة أجبرت السكان على الفرار.
صوت الجن أم صمت الرمال ؟
يعتقد بعض السكان المحليين وزوار المكان أن "الجن" قد سكنوا القرية، أو طاردوا أهلها، ما دفعهم للرحيل. وقد نُقلت تجارب غريبة من بعض الزائرين مثل سماع أصوات خافتة، الشعور بمراقبة، أو اضطراب مفاجئ في المزاج أثناء الزيارة. وفي غياب تفسير مادي واضح، ينمو الخيال وتتسع دائرة الغموض.
تجارب من زاروا القرية
يروي بعض المستكشفين أن دخولهم إلى القرية رافقه شعور بالرهبة لم يعرفوا مصدره. أحدهم قال: "بمجرد أن تخطيت باب أحد البيوت، شعرت بأن المكان يرفضني… كما لو أن هناك من لا يريدني هنا". ورغم أن البعض لم يشهد شيئًا غير عادي، إلا أن حضور الصمت المطبق، الرمال التي تغزو الأرضيات، والنوافذ التي تطل على الفراغ، كلّها تبعث في النفس قلقًا خفيًا.
لماذا تخيفنا الأماكن المهجورة ؟
الإنسان بطبيعته يميل إلى ملء الفراغ بالمعنى. الأماكن المهجورة تفتقر للسياق البشري الذي نعتاد عليه. عندما ندخل بيتًا بلا ساكن، نتخيل من كان هنا، ولماذا غادر؟ ماذا حدث؟ وتبدأ أذهاننا بإسقاط مشاعر القلق، الوحدة، أو حتى الخوف.
الانعكاس النفسي: الهجر كمرآة داخلية
الهجر لا يخص المكان فقط، بل يعكس مخاوفنا الشخصية: من الهجر، النسيان، الانقطاع عن الحياة. بعض علماء النفس يرون أن الأماكن المهجورة تحفّز داخلنا مشاعر دفينة، مثل خوفنا من أن نصبح بلا أثر، أو أن نُجبر على مغادرة شيء نحبّه دون وداع.
البيئة والقلق الغريزي
صحراء مفتوحة، منازل مدفونة جزئيًا، صمت ثقيل، وانعدام الحياة… هذه كلها عناصر تستفز "القلق الغريزي" في الإنسان. الشعور بالخطر دون وجود خطر واضح. وهو ما يجعل مكانًا مثل قرية المدام بيئة خصبة لتخيلاتنا ومخاوفنا اللاواعية.
حين يصبح الهجر ذاكرة
قرية المدام ليست فقط موقعًا مهجورًا، بل سجلًا صامتًا لحياة لم تكتمل. في داخل كل غرفة قصة، في زوايا كل بيت حلم تلاشى. لا عجب أن يتحول مثل هذا المكان إلى مزار لهواة الغموض، ومحبي التصوير، والباحثين عن سرديات ما وراء الواقع.
هل هي لعنة الجن ؟ أم لعنة الزمن؟
في النهاية، قد لا يكون في قرية المدام "جن" بالمعنى الخارق، بل "جنّ" النفس البشرية، وهواجسها، وخوفها من المجهول، من الهجر، من الفراغ، ومن النسيان.
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .