![]() |
إعداد : كمال غزال |
هل يمكن للحب أن يكون قوياً لدرجة تمنع الروح من الرحيل ؟ هل يمكن للانتظار أن يتحول إلى لعنة تربط بين عالمين ؟
في أساطير شرق آسيا، تظهر لنا شخصية تتكرر في الميثولوجيا، المسرح، الحكايات الشعبية، وحتى في تجارب واقعية حديثة… إنها "العاشقة العالقة"، المرأة التي تموت دون أن يتحقق حبها، فتظل روحها تدور في دوامة الزمن، تنتظر، وتأمل، وربما تنتقم.
اليابان: كوروكامي… الشعر الأسود الذي يرفض النسيان
في الفولكلور الياباني، يظهر نمط معروف من الأرواح النسائية يسمى أونريو Onryō، وغالباً ما تتجسد في هيئة امرأة بشعر طويل مسدل ووجه خفي ، رمز الحزن والكتمان. تُعرف هذه الأرواح بـ "كوروكامي"، وتعني "ذات الشعر الأسود"، وغالباً ما تعود نتيجة خيانة أو فراق قاتل.
قصة "أوكو" مثلاً تحكي عن فتاة تُوفيت بعد أن تخلّى عنها حبيبها. لكن بعد موتها، بدأ يرى خصلة من شعر أسود تظهر كل ليلة على وسادته، إلى أن مات هو الآخر، والتحق بروحها أخيراً.
في الثقافة اليابانية، الشعر الأسود الطويل هو امتداد للروح، وظهوره بعد الموت يشير إلى حضور روحي لا يريد المغادرة.
الصين: حيث يولد الانتظار من الحلم
في المسرحية الصينية الخالدة "جناح الفاوانيا" التي كتبها تانغ شيانزو في القرن السادس عشر، نلتقي بـ "دو لينيانغ"، فتاة مراهقة تقع في حب شاب لم تره إلا في المنام، فتغرق في الشوق وتموت من الحسرة. لكنها لا تهنأ بالموت… بل تعود روحها بعد دفنها، تطوف الأرض باحثة عن ذلك الشاب، حتى تلتقيه فعلاً ويحبها، فتعود إلى الحياة.
هنا، تتحول "المنتظرة" إلى رمز للتوق الروحي الذي لا يعترف بالموت. حبها كان من الحلم، لكن عودتها كانت من الإرادة.
دو لينيانغ ليست شبحًا مخيفًا… بل عاشقة تنتظر أن يُردّ لها الحب.
تايلاند: نانغ ناك… العاشقة التي لم تمت
من أشهر الأساطير التايلاندية وأكثرها تأثيراً، قصة "نانغ ناك"، الشابة الجميلة التي تموت أثناء الولادة بينما كان زوجها في الحرب. لكن حين يعود، يجدها في انتظاره، تُعد له الطعام وتنام إلى جواره… دون أن يدرك أنها ميتة.
حين تُكشف الحقيقة، يتدخل راهب بوذي ليهدئ روحها ويمنحها السلام. وبقيت قصتها خالدة، وتم بناء معبد "ماي ناك" في بانكوك، الذي ما زالت النساء حتى اليوم يزرنه، يطلبن من روح "ناك" الحماية من الخيانة، أو المساعدة في الحمل والولادة.
أسطورة تنتقل من جيل إلى آخر
العاشقة العالقة ليست روحاً انتقامية كما نراها في أفلام الرعب فقط، بل تمثل في العمق: وفاء لا يموت ، وعد لم يُنجز، عاطفة لم تُرد ، وداعًا لم يحدث.
وقد سجلت تقارير حديثة في بعض المناطق الريفية بالصين وتايلاند ظهورات لأرواح نسائية تظهر في الحقول أو الأحلام، يُقال إنهن "ينتظرن"، ويتكرر وصفهن: امرأة صامتة، شعرها طويل، لا تنظر مباشرة… لكنها لا تختفي.
لماذا تنتظر الأرواح ؟
الفولكلور الآسيوي يربط بين قوة الحب وقدرته على إبقاء الروح ، كما ترتبط الطاقة الأنثوية بالقمر والماء مما يجعل النساء أكثر عرضة لـ"التعلق" ، وعند الحرمان في الوداع أي حين لا يُقال "وداعاً"، تبقى الروح تبحث.
العاشقة العالقة… مرآتنا الخفية ؟
ربما نحن من جعلنا تلك الأرواح عالقة، حين خذلناها، أو نسيناها، أو لم نفهم لغتها.
ربما كل عاشقة عالقة هي جزء من الحنين الإنساني نفسه، حين نحب ولا نُحب، ننتظر ولا يأتي أحد.
هل سمعت يوماً بقصة امرأة بقيت في مكان ما لأنها كانت تنتظر ؟ وهل الحب قادر على ربط الروح بالأرض حتى بعد الموت ؟
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .