![]() |
إعداد : كمال غزال |
في عالم تملأه الجرائم الغامضة والأحداث غير المفسرة، تظهر بين الحين والآخر قصص تتحدى المنطق وتربك العقل. إحدى تلك القصص هي قصة تيريزيتا باسا، الضحية التي زُعم أنها عادت من العالم الآخر لتكشف هوية قاتلها.
هذه الحادثة لم تقع في العصور الوسطى أو في قرية نائية، بل حدثت في مدينة شيكاغو الأمريكية عام 1977، وظهرت تفاصيلها في تقارير صحفية ومحاضر رسمية، لتصبح واحدة من أغرب القضايا في تاريخ الجرائم.
من هي تيريزيتا باسا ؟
وُلدت تيريزيتا باسا في الفلبين، وكانت امرأة مثقفة وهادئة تعشق الموسيقى. انتقلت إلى شيكاغو لمتابعة دراستها العليا في الموسيقى، لكنها لاحقاً غيرت مسارها المهني واتجهت إلى العمل في المجال الطبي، حيث أصبحت أخصائية تنفسية في مستشفى "إدجووتر" المعروف في شيكاغو.
كانت تيريزيتا محبوبة من زملائها، هادئة، وتعيش حياة بسيطة في شقتها الواقعة في شارع "باين غروف".
الجريمة البشعة التي هزت شيكاغو
في 20 فبراير 1977، اندلع حريق في شقة تيريزيتا. عندما وصل رجال الإطفاء إلى المكان لإخماد النيران، عثروا على جثة محترقة بالكامل تحت مرتبة سرير. كانت الضحية عارية، مما أثار في البداية شكوكًا حول وجود دافع جنسي وراء الجريمة. لكن تقرير الطب الشرعي نفى ذلك تمامًا، مؤكدًا أن سبب الوفاة هو طعنة مباشرة بسكين في الصدر.
كل الأدلة كانت مبهمة. الشيء الوحيد الذي وجدته الشرطة هو ورقة كتب عليها بخط يد تيريزيتا: " احصلي على تذاكر المسرح لـ A.S."، ما فتح احتمالات واسعة حول هوية A.S، لكنها بقيت غامضة.
بعد أسابيع من التحقيق دون أي نتائج تذكر، تم إغلاق القضية رسمياً، وتصنيفها ضمن الجرائم غير المحلولة.
روح تعود من الموت وتتكلم !
بعد ستة أشهر من الحادثة، ظهر تطور مفاجئ وغريب في القضية. توجه طبيب فلبيني يُدعى د. خوسيه تشوا إلى الشرطة، ليبلغهم بأمرٍ لا يُصدق: زوجته ريميبياس تشوا، التي كانت تعمل مع تيريزيتا في نفس المستشفى، بدأت تدخل في نوبات تشبه التنويم المغناطيسي، وخلالها كانت تتحدث بصوت غريب وتقول إنها " أنا تيريزيتا باسا ".
كانت الكلمات مخيفة:
" دكتور، أحتاج مساعدتك. الرجل الذي قتلني لا يزال حرّاً. "
وخلال تلك اللحظات الغامضة، كشفت "الروح" اسم القاتل: ألان شاوري، فني تنفسي زميل لها في العمل، جاء إلى شقتها بحجة إصلاح التلفاز، ثم قتلها وسرق خاتمًا ثمينًا كانت قد ورثته من والدتها.
الأغرب من ذلك أن "الروح" أعطت الشرطة أرقام هواتف لأشخاص بإمكانهم التعرّف على المجوهرات المسروقة. وبالفعل، عند مداهمة منزل شأوري، عثرت الشرطة على المجوهرات بحوزة صديقته، وتم التعرّف عليها من قِبل قريبة تيريزيتا.
من شكوك إلى اعتراف
بناءً على هذه الأدلة، تم اعتقال شاوري، الذي اعترف في البداية بالجريمة، ما أكد صحة ما نقلته الزوجة "من العالم الآخر". لكن لاحقاً، خلال المحاكمة، تراجع عن اعترافه مدعياً أنه انتُزع منه بالإكراه.
أدت المحاكمة إلى مأزق قانوني بعدما عجزت هيئة المحلفين عن إصدار حكم، وتم إعلان المحاكمة باطلة (mistrial). ولكن، وقبل بدء محاكمة جديدة، فاجأ شاوري الجميع وغيّر أقواله واعترف من جديد، ليُحكم عليه بالسجن 14 عاماً بتهم القتل العمد والسرقة والحرق العمد.
من محضر الشرطة إلى كتاب وفيلم
في عام 1994، كتب الدكتور تشوا وزوجته كتاباً بعنوان "صوت من القبر – A Voice From The Grave"، شارك في تأليفه الكاتبة كارول ميركادو. كما تم تحويل القصة إلى فيلم تلفزيوني يحمل نفس الاسم.
هل كانت عدالة من العالم الآخر ؟
القضية أثارت جدلاً واسعًا بين المؤمنين بالماورائيات والمشككين. البعض رأى أنها دليل على وجود الروح بعد الموت وقدرتها على التواصل، فيما رأى آخرون أنها مجرد مصادفة نفسية أو لعبة من الزوجين لتصفية حسابات شخصية.
لكن المؤكد أن الشرطة نفسها لم تجد أي وسيلة أخرى لكشف الجريمة سوى ما قيل على لسان "الروح"، وهو ما يجعل القصة واحدة من أغرب قضايا الجرائم المرتبطة بالتجارب الخارقة في التاريخ الحديث.
وفي الختام ، قصة تيريزيتا باسا تضعنا أمام أسئلة عميقة: هل يمكن للروح أن تعود لتنتقم ؟ وهل للعدالة أبواب لا نفهمها ؟
ربما لن نحصل على إجابة حاسمة، لكن من المؤكد أن قضية باسا ستظل محفورة في تاريخ الجرائم الغامضة كعلامة فارقة بين الواقع وما وراءه.
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .