![]() |
إعداد : كمال غزال |
في إحدى ليالي صيف عام 1950، توقفت حركة المرور في قلب نيويورك، وتحديداً في تايمز سكوير، أمام مشهد غريب لا يُنسى.
رجل بدا وكأنه خرج من كتب التاريخ، يرتدي قبعة حريرية عالية، ومعطفاً طويلاً أنيقاً، وسوالف كثيفة تزين وجهه.
كان يتلفّت حوله مذهولاً من السيارات، الأضواء، ولوحات النيون التي تحيط به من كل اتجاه، وكأنه يشاهد عالماً لا ينتمي إليه.
تقدّم ببطء وسط الشارع، وحدقت عيناه في ذهول إلى حركة المدينة السريعة، وملامحه تنطق بالدهشة واللا فهم. لحظات قليلة بعد ظهوره المفاجئ، صدمته سيارة أجرة من طراز الخمسينيات، ليلقى حتفه في الحال.
عندما وصلت الشرطة، بدا كل شيء أكثر غموضاً: في جيبه وُجدت عملات أمريكية تعود للقرن التاسع عشر، وبطاقة عمل باسم "رودولف فينتز"، وإيصال يعود لعام 1876 لتربية حصان وإيوائه.
ولمّا تتبع المحققون العنوان المسجّل على البطاقة، وجدوا امرأة مسنّة أكدت أن رودولف فينتز كان والد زوجها... وقد اختفى بشكل غامض منذ عام 1876، ولم يُعثر له على أي أثر منذ ذلك الحين.
انتشرت القصة كالنار في الهشيم. الصحف تحدثت عنها، والناس تساءلوا :
هل هي أول حالة مسجلة لسفر عبر الزمن ؟
هل اختُطف رودولف من القرن التاسع عشر وظهر فجأة في الخمسينيات ؟
وهل يمكن فعلاً أن يفتح الزمان فجوة ليمر منها إنسان حيّ، بكامل وعيه ومظهره ؟
لم يكن المشهد مجرد فضول عابر، بل تحوّل إلى "دليل حي" يتناقله المتحمسون للظواهر الخارقة، واعتُبر من أبرز القصص التي تدعم فرضية السفر عبر الزمن.
مئات المقالات، مقابلات، ونقاشات ظهرت لاحقاً حول هذا "الحادث الغامض"، وكلها تكرّس لغز " الرجل الذي مشى خارج الزمن".
لكن…
ما هي الحقيقة ؟
كل ما سبق لم يكن أكثر من قصة خيالية كتبها المؤلف الأمريكي "جاك فيني" عام 1951، ونُشرت لأول مرة في مجلة "Collier's".
وبعد سنوات، أعاد أحدهم نشر القصة في مجلة تهتم بالظواهر الغامضة — دون أن يذكر أنها قصة أدبية — فبدأ الناس يتداولونها كحقيقة واقعية.
وهكذا، تحوّلت قصة خيالية محكمة الحبكة إلى أسطورة حضرية صدّقها الملايين، دون أن يعرفوا أن "رودولف فينتز"... لم يكن موجوداً أصلاً.
الأسطورة الحضرية URBAN LEGEND
عندما تبدأ قصة خيالية أو رواية ويتم تداولها بين الناس على أنها حدثت فعلاً، يُطلق على هذه الظاهرة مصطلح "الأسطورة الحضرية" أو "الخرافة الحديثة". الأسطورة الحضرية هي قصة أو معلومة تنتشر في المجتمع، تُقدَّم كحقيقة، لكنها في الواقع غير مؤكدة أو مختلقة.
مثال على ذلك :
رواية "عيون الظلام" The Eyes of Darkness التي نُشرت عام 1981، تتحدث عن فيروس يُدعى "ووهان-400".
بعد انتشار جائحة كورونا، لاحظ البعض التشابه بين الفيروس المذكور في الرواية وواقع الجائحة، مما أدى إلى اعتقاد البعض بأن الرواية تنبأت بالحدث. لكن في الحقيقة، هذا التشابه كان محض صدفة، والرواية لا تستند إلى أحداث حقيقية.
تُظهر هذه الأمثلة كيف يمكن للأعمال الأدبية أن تتحول إلى أساطير حضرية عندما يُساء فهمها أو يتم تداولها خارج سياقها الأصلي.
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .