![]() |
إعداد : كمال غزال |
ليلة القدر، تلك الليلة الغامضة التي ذُكرت في القرآن الكريم بأنها "خير من ألف شهر"، تحتل مكانة روحية عميقة في قلوب المسلمين، وتُعد من أكثر الليالي قدسية وروحانية في الإسلام. فهي لحظة استثنائية يتنزل فيها السلام، وتُفتح فيها أبواب الرحمة، ويغمر النور الأرض من السماء.
لكن ما يجعل هذه الليلة محطّ اهتمام ليس فقط بعدها الديني، بل أيضاً ما ارتبط بها من ظواهر ميتافيزيقية وما ورائية ترويها تجارب الأفراد، والمأثورات الصوفية، والتقاليد الشعبية في أنحاء العالم الإسلامي. ففي ليلة القدر، يُقال إن الحُجب بين العوالم تضعف، وإن هناك تداخلاً خفياً بين عالم الغيب وعالم الشهادة.
1- كثافة الحضور الروحي
من منظور المتصوفة والروحانيين، فإن ليلة القدر تُعد لحظة انكشاف روحي نادر، حيث تترقّق الحجب بين العوالم، ويصبح من الممكن الإحساس بما لا يُرى عادة. يصف بعضهم تجاربهم في تلك الليلة وكأن القلوب تتلقى إشارات نورانية، أو كأنّ صوتًا داخليًا يهمس بما هو أكبر من الإدراك المألوف.
وتُروى مشاهدات لبعض العابدين، ممن خلصت قلوبهم، عن سماع أصوات غير بشرية أو الشعور بحضور كيانات نورانية تُشبه الملائكة أو أرواح الأولياء.
2- رؤية رموز وإشارات غيبية
العديد من المعتكفين في المساجد خلال العشر الأواخر من رمضان يروون شهادات عن رؤى بصرية غريبة تحدث في تلك الليلة تحديداً. هناك من رأى رموزاً ضوئية، نجومًا تتحرك بشكل غير طبيعي، أو إشارات كونية عابرة، وهناك من تلقى أحلامًا ذات دلالات غيبية عميقة، تُفسر عندهم كنوع من الانفتاح الكوني أو الرسائل الروحية التي لا تُمنح إلا في اللحظات الاستثنائية.
3- الخروج من الجسد (Out of Body Experience)
بعض الروايات المعاصرة تتحدث عن تجارب أقرب لما يُعرف علمياً بتجربة "الخروج من الجسد"، حيث يشعر الشخص وكأن وعيه قد انفصل عن جسده ورآه من الأعلى. هذه التجربة، رغم أنها قد تحدث في سياقات أخرى كالقرب من الموت أو التأمل العميق، إلا أنها ترتبط لدى البعض بليلة القدر تحديداً، ويُنظر إليها كدليل على التحرر المؤقت من القيود الجسدية والدنيوية نحو حالة روحانية خالصة.
4- الزمن يتباطأ أو يتوقف
تتكرر في شهادات بعض المتأملين والمعتكفين تلك الإشارة إلى أن الزمن في ليلة القدر لا يسير على طبيعته. بل يشعرون بأن اللحظات تطول بلا انتهاء، وأن هناك سكونًا كثيفًا يغلف المكان، كأن الزمن قد انكمش أو خرج من مساره المعتاد. وتُفسر هذه الظاهرة عند بعض الروحانيين على أنها دليل على الانفصال الجزئي عن بعد الزمان، والدخول في بُعد علوي أعلى من الزمان والمكان.
أمثلة من التراث الشعبي
- في بعض قرى المغرب العربي، يُحكى أن من يُوفق لرؤية ليلة القدر قد يرى شعاعاً من النور يخترق السماء، أو يسمع نداءً باسمه من جهة غير مرئية.
- وفي روايات المتصوفة، يُقال إن الأولياء يتلقّون في تلك الليلة علوماً لدنية وأسراراً كونية، تُحفظ في صدورهم ولا تُقال إلا في مجالس الخواص.
- أما في اليمن وبلاد الشام، فتنتشر حكايات عن أناس شُفيوا من أمراض مستعصية فجأة بعد دعاء عميق وخاشع في ليلة القدر، ما يجعلها تُصنّف أحيانًا ضمن الظواهر الخارقة.
لحظة اختراق الزمان
يمكن النظر إلى ليلة القدر على أنها نقطة نادرة في الزمن، لحظة تتقاطع فيها العوالم، وتصبح الروح أقرب إلى النور منها إلى الطين. فهي شبيهة بما تسميه بعض الثقافات القديمة "الليلة المقدسة"، أو ما يُعرف في التصوف الغربي بـ"الانفراج الكوني" حيث تُفتح البوابات بين الأبعاد، وتُتاح للروح فرصة العروج إلى ما وراء الواقع.
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .