![]() |
إعداد : كمال غزال |
في عمق الريف الكندي قرب شلالات نياغارا الشهيرة، يقبع ممرٌ حجري صغير لا يتجاوز طوله العشرين متراً، لكنه يحمل اسماً يرعب كل من يسمعه: "نفق الصراخ" The Screaming Tunnel. هذا النفق المهجور أصبح جزءاً من الفلكلور الشعبي المحلي، ويُروى عنه الكثير من القصص التي تمتزج فيها المأساة بالخرافة.
موقعه وغموضه
يقع النفق في منطقة "نورث داونز"، ويمر تحت خط السكك الحديدية الذي كان يربط مدينة تورونتو بنياغارا. بُني النفق في أوائل القرن العشرين لتصريف المياه، ولكنه سرعان ما أصبح رمزاً للرهبة، ليس بسبب وظيفته الأصلية، بل بسبب حادثة مأساوية منسوجة حوله عبر الزمن.
الأسطورة: صراخ فتاة تحترق
الأسطورة الأكثر شهرة المرتبطة بهذا النفق تتحدث عن فتاة صغيرة كانت تهرب من منزلها الواقع قرب النفق بعد محاولة اعتداء من والدها أو من رجل غريب، بحسب الروايات المختلفة. وأثناء محاولتها الهرب، اشتعلت النيران في جسدها، إما بسبب تعرضها لحادث إشعال عمدي أو بسبب شمعة كانت تحملها، وتموت في وسط النفق وهي تصرخ.
ويُقال إن من يشعل عود ثقاب داخل النفق في منتصف الليل يسمع صراخاً مرعباً يتردد في الأرجاء، وكأن روح الفتاة لا تزال حبيسة هناك، تبحث عن منقذ أو تحذر من خطر.
شهادات الزوّار
على مر العقود، انتشرت روايات عديدة لزوار قالوا إنهم سمعوا صرخات مفاجئة تخرج من العدم أو شعروا بـانخفاض شديد في درجة الحرارة عند دخولهم النفق أو شاهدوا ظلالاً أو أشكالاً غامضة تتحرك بسرعة أو فشلوا في إشعال أعواد الثقاب داخل النفق، وكأن قوة ما تطفئها فوراً ، بعض محبي المغامرات يعودون مراتٍ عدة إلى النفق ليعيشوا "الرعب"، بينما يؤكد آخرون أنهم لن يقتربوا منه ثانية بعد تجاربهم المخيفة.
هل هناك جريمة حقيقية وراء القصة ؟
رغم أن الأسطورة مشهورة محلياً منذ أكثر من قرن، إلا أنه لا توجد سجلات رسمية توثق مقتل فتاة بهذه الطريقة في تلك المنطقة. وهذا لا ينفي أن تكون القصة مستوحاة من حادث مأساوي حقيقي تم تحويره عبر الزمن، أو أنها وُلدت من الخيال الشعبي بحثاً عن تفسير لصوت غير مفهوم سمعه أحدهم ذات ليلة.
فرضيات التفسير
رغم الطابع الماورائي للقصة، هناك عدد من الفرضيات العلمية والنفسية التي يمكن أن تفسر الظاهرة:
1- الهلوسة السمعية والاقتراح العقلي
عند دخول النفق مع توقع حدوث شيء مخيف، يعمل العقل الباطن على تفسير أي صوت أو تغير في الجو كـ"علامة خارقة"، وهذا يُعرف بـ"التهيؤ النفسي للإدراك الحسي" Perceptual Expectancy.
2- الصدى الصوتي
تصميم النفق الحجري المغلق يتسبب في انعكاسات صوتية قوية يمكن أن تعطي انطباعاً بوجود صراخ أو خطوات قادمة من مسافة قريبة.
3- الرطوبة والغازات
التغيرات في الحرارة والرطوبة داخل النفق قد تؤدي إلى إطفاء أعواد الثقاب تلقائياً أو تسبّب شعوراً بالاختناق أو البرد المفاجئ، مما يعزز الإحساس بالخوف.
4- التغذية الجماعية للأسطورة Collective Reinforcement
كل من يزور المكان وهو متأثر بالقصة سيبحث - دون وعي - عن دليل يؤكدها، مما يُرسّخها في الوعي الجمعي كـ"حقيقة شبه مؤكدة".
وفي الختام نفق الصراخ يبقى مثالاً على كيف يمكن لمكان بسيط، بصوت غريب أو صدفة غير مفسرة، أن يتحول إلى أسطورة خالدة في الذاكرة الشعبية. سواء كنت تؤمن بالماورائيات أو تبحث عن التفسير المنطقي، فإن زيارة النفق تحمل تجربة نفسية مميزة، فيها شيء من الرهبة... وكثير من التساؤل.
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .