9 أبريل 2025

Textual description of firstImageUrl

من ملفات اليوفو : حادثة روزويل المكسيكية - 1974

إعداد : كمال غزال

في ليلة 25 أغسطس 1974، رصد بعض السكان المحليين ومراكز الرادار الأمريكية جسماً مجهولاً يحلّق بسرعة عالية في سماء الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك​.  كان الجسم يتحرك بطريقة غير معتادة، وظهر على شاشات الرادار وكأنه جسم طائر مجهول قرب بلدة كويامي الصغيرة في ولاية تشيواوا شمال المكسيك (على بعد حوالي 40 إلى 65 كم جنوب الحدود مع ولاية تكساس الأمريكية).

وقع ما يُزعم أنه تصادم جوي بين ذلك الجسم المجهول وطائرة صغيرة من طراز سيسنا كانت في رحلة من مدينة إل باسو الأمريكية باتجاه مكسيكو سيتي ، أسفر هذا التصادم عن سقوط حطام كلا المركبتين في صحراء كويامي النائية.

على الصعيد الرسمي، لا توجد رواية معترف بها لهذا الحادث. لم تُصدر الحكومة المكسيكية في ذلك الوقت أي بيان بشأن سقوط جسم غريب، كما لم تؤكد وجود طائرة مدنية مفقودة في المنطقة بشكل علني. في السنوات اللاحقة، وعندما بدأت القصة تنتشر، نفت كل من السلطات المكسيكية والأمريكية صحة الواقعة بالكامل​. حيث لم يعترف أي طرف رسمياً بالعثور على طبق طائر أو مخلوقات فضائية. ويشير بعض الباحثين والمُؤرخين إلى تفسير أكثر واقعية: ربما تكون القصة مستوحاة من حادث تحطم طائرة تهريب مخدرات من طراز سيسنا تعامل معه الجيش آنذاك بسرية​ ،  أياً ما جرى - أو إن جرى فعلاً – قد يكون مجرد حادث طيران اعتيادي تم تضخيمه لاحقاً إلى أسطورة عن الأجسام الفضائية.

لكن ... رغم غياب التأكيد الرسمي، شهدت القصة حياة خاصة بها عبر روايات غير رسمية ونظريات المؤامرة في مجتمع المهتمين بالـ UFO. تُلقَّب هذه الحادثة بـ "روزويل المكسيك" تشبيهاً بحادثة روزويل الشهيرة في الولايات المتحدة عام 1947، نظراً لتشابه الادعاءات بخصوص طبق طائر وكائنات فضائية. ووفق الرواية الشائعة بين هواة الظواهر الغامضة، فإن بعد سقوط الجسم المجهول والطائرة في منطقة كويامي، أرسلت السلطات المكسيكية فريقاً عسكرياً إلى موقع الحطام في اليوم التالي​،  هناك، يُقال إن الجنود وجدوا طبقاً معدنياً قطره نحو 5 أمتار وارتفاعه 2 متر، سليماً نسبياً رغم الحادث​

 بينما كانت بقايا طائرة السيسنا متناثرة ومحترقة، بدا الطبق الطائر كأنه لم يتحطم بالكامل. تجمع 24 جندياً حول الاكتشاف الغريب وقاموا بتحميل ذلك القرص الفضّي على شاحنة عسكرية مسطحة لنقله إلى القاعدة للتحقيق. لكن عند بدء القافلة العسكرية رحلتها عائدة، انقطع الاتصال اللاسلكي بها بشكل مفاجئ. لاحقاً وُجدت القافلة وقد انحرفت عن الطريق وكان جميع أفرادها الـ24 موتى داخل مركباتهم دون أي سبب واضح​ !

انتشرت تكهنات بأن الجنود ربما تعرضوا لإشعاع قاتل أو مواد بيولوجية غريبة من الجسم الفضائي، أو ربما حدث أمر غامض أدى إلى وفاتهم على الفور. في هذه الأثناء ووفق نفس الرواية ، كانت هناك جهة أمريكية تراقب المشهد. فبعد رصد الرادار الأمريكي للحادث، يُزعم أن وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) والجيش الأمريكي تابعا تطورات الأمر عبر الأقمار الصناعية والطائرات الاستطلاعية​،  وتفيد القصة بأن الأمريكيين عرضوا على المكسيك المساعدة في استعادة الحطام، لكن العرض قوبل بالرفض من السلطات المكسيكية​ ، عندها اتخذت الـCIA قراراً جريئاً بالتدخل دون إذن، خشية فقدان هذه التقنية المجهولة أو وقوعها بيد جهة أخرى​ ،  تروي النظريات أن فريقاً أمريكياً متخصصاً انطلق من قاعدة فورت بليس العسكرية في تكساس على متن مروحية كبيرة من طراز سي ستاليون برفقة عدة مروحيات أصغر، وتوجهوا سراً عبر الحدود إلى موقع القافلة المكسيكية المتوقفة​.
عندما وصلوا، شاهدوا المشهد المروّع: الجنود المكسيكيون موتى داخل سياراتهم والشاحنة التي تحمل الطبق متوقفة​ ، وهناك دائرة معدنية غريبة بجانبهم هي كل ما تبقّى. لم يكن لدى الفريق الأمريكي وقت لكشف اللغز؛ ارتدى أفراده بدلات واقية من المواد الخطرة وتولّوا المهمة سريعاً ، تم تثبيت سلاسل بالطبق الطائر ونقله جواً بواسطة المروحية الضخمة إلى جهة مجهولة، فيما قام باقي الفريق بتفجير موقع الحطام بالكامل ، بما في ذلك عربات الجنود وجثثهم وبقايا الطائرة – لإزالة أي أثر للتواجد الفضائي أو مخاطر بيولوجية محتملة​.

وهكذا، بحسب تلك الروايات، اختفى الطبق الطائر في أيدي جهة سرية، ويُشاع أنه نُقل إلى قاعدة عسكرية أمريكية (يُشار أحياناً إلى قاعدة رايت باترسون الجوية في أوهايو حيث هنالك "هنغار رقم 18" الأسطوري) ،أو منشآت بحثية لتحليله​

الشهود والتسريبات
كيف خرجت هذه القصة إلى العلن إن كانت سرية ؟  الحقيقة أن أصل انتشار قصة روزويل المكسيك يعود إلى تسريب وثائقي مثير. ففي عام 1992، بعد نحو عقدين من الحادثة المفترضة، تلقّت الباحثة الأمريكية في مجال الـUFO إلين دوغلاس  طرداً مجهول المصدر في بريدها​ ، احتوى الطرد على وثائق وتقارير تصف بالتفصيل ما حدث في صحراء كويامي عام 1974​،  المرسل الغامض وقّع باسم رمزي هو " فريق الدّنب (Deneb Team)"، وزعم أنه ضمن جهة استخبارية على علم بالموضوع​ .

أثار محتوى الوثائق دهشة دوغلاس؛ ورغم حماسها قررت التعامل معها بحذر وتحقيق. لاحقاً، قام باحثون آخرون بفحص تلك التسريبات، لكنهم لم يجدوا أدلة دامغة مستقلة تؤكد القصة سوى ما جاء في تلك الأوراق.​

بعض المشككين يرون أن تلك الوثائق ربما تكون خدعة متقنة أو تشويشاً يخلط الحقيقة بالخيال. أما من ناحية الشهود العيان، فهناك القليل من الإفادات الموثقة. لم يخرج أي شخص من الجنود المكسيكيين أحياء ليحكوا ما جرى  - حسب الرواية المفترضة  - وبالتالي لا يوجد تصريح رسمي منهم. 

لكن بعض السكان المحليين في المنطقة يتذكرون أحداثاً غريبة في تلك الفترة. على سبيل المثال، يروي سكان بلدة كويامي أنه في تلك الأيام أواخر أغسطس 1974 شاهدوا انفجاراً أو وميضاً قوياً في السماء، وتحدث بعضهم عن حطام متناثر وأنشطة عسكرية غير اعتيادية لاحقاً​.

إحدى الشهادات الحديثة نسبياً جاءت بعد عقود: جوناي تشامبرز، وهي امرأة من منطقة برزيديو بتكساس (قرب الحدود مع تشيواوا)، صرّحت لصحيفة محلية بأنها في مساء وقوع الحادث رأت مع ابنها ضوءاً غريباً في سماء المكسيك يشبه "شروق نصف شمس" بألوان وأضواء غير مألوفة​. اعتقدت حينها أنه انفجار في الجبال المكسيكية البعيدة، ولأنها لم تسمع شيئاً في الأخبار بعد ذلك نسيت الأمر​ ،  لم تدرك تشامبرز أن ما رأته ربما يتعلق بقصة طبق طائر إلا بعد سنوات طويلة عندما سمعت عن مؤتمر للـ UFO عُقد عام 2012 في تلك المنطقة نفسها​
هذه الشهادة وغيرها تُظهر أن بعض شهود العيان المحليين لاحظوا أمراً غير عادي تلك الليلة، وإن كانوا قلة ولم يفهموا ماهيته في حينه.

دور الحكومتين المكسيكية والأمريكية
في قلب قصة "روزويل المكسيك" تكمن أسئلة حول دور الحكومتين: هل تواطأت إحداهما في التستر على الأمر ؟  وفق الرواية غير الرسمية، كان للحكومة المكسيكية دور المبادر الذي انقلب إلى لغز  ، إذ أرسلت فرقة للتحقيق لكنها فقدت أفرادها بشكل غامض​ ، بعد ذلك تولّت جهة أمريكية زمام الأمور بالقوة، متجاهلةً السيادة المكسيكية، بهدف الحصول على الطبق الطائر بأي ثمن​

وتزعم القصة أن الأمريكيين نقلوا الجسم الغريب سراً إلى الولايات المتحدة لتحليله في منشآت عسكرية أو علمية خاصة. إذا صحّت هذه التفاصيل، فنحن أمام عملية سرية مشتركة/متعارضة: المكسيك واجهت ما لم تفهمه وربما حاولت إخفاء اختفاء جنودها حرصاً على سمعتها أو لتجنب الذعر، بينما الولايات المتحدة استغلت الموقف للحصول على التكنولوجيا المفترضة​.

 لكن من وجهة النظر الرسمية – كما أسلفنا – تنفي الحكومتان حصول أي شيء. فلا اعتراف بمقتل جنود أو فقدان مركبة غريبة. في التقارير الصحفية المكسيكية التي تناولت الموضوع لاحقاً، قيل إن وزارة الدفاع المكسيكية نفت حصول أي اختفاء لجنودها في تلك الفترة أو أي عملية غير اعتيادية في منطقة كويامي​.

وكذلك لم تُصرّح الولايات المتحدة عبر أي قناة رسمية بأي معلومة تؤيد وجود جسم ساقط أو عملية استعادت حطام في تلك المنطقة. هذا النفي الثابت دفع الكثير من المتابعين لوصف الحادثة بأنها مجرد خرافة حديثة أو أسطورة حضرية (Urban Legend ) دون أساس حقيقي​

ويعتقد البعض أنه حتى إن وُجد عنصر حقيقة ما، فربما يكون متعلقاً بحادث طائرة تهريب مخدرات عام 1974 تعاملت معه السلطات المكسيكية والأمريكية سوياً بسرية، ما ولّد هذه القصة مع مرور الوقت​.


التحقيقات والتغطيات الإعلامية
رغم الموقف الرسمي البارد، حازت حادثة كويامي على اهتمام الصحافة الاستقصائية والباحثين المستقلين بعد انتشار القصة. في أوائل التسعينيات، بدأ الحديث عن "Roswell Mexicano" يظهر في مجلات وبرامج مهتمة بالظواهر الغريبة. قام نووي توريس  وروبن أورتيارتِه  -  وهما من أبرز محققي وخبراء الـيوفو UFO في أمريكا الشمالية – بالبحث المعمّق في القضية وجمع الشهادات والتقارير المتاحة​.

 توّج هذان الباحثان عملهما بنشر كتاب بعنوان روزويل: "المؤامرة في المكسيك Roswell: El Encubrimiento en México"  ثم إصدار منقّح  في طبعات لاحقة.​​

 يحتوي الكتاب على وثائق وتحليلات مفصلة حول حادثة كويامي  Coyame 1974، ويعرض ما يعتبره الكاتبان أدلة وظروف تدعم فرضية سقوط اليوفو  UFO هناك. كما عقد توريس وأورتيارتِه ندوات ومؤتمرات محلية (منها مؤتمر في بلدة برزيديو بتكساس عام 2012) حيث قدّموا نتائج أبحاثهم واستمعوا لشهادات أهل المنطقة​

​هذه الجهود أسهمت في إبقاء القصة حيّة في الذاكرة الشعبية. أيضاً تناولت بعض البرامج التلفزيونية الوثائقية القصة في إطار البحث عن أدلة لحوادث UFO تاريخية. على سبيل المثال، خصصت قناة History حلقة بعنوان "Mexico's Roswell" ضمن سلسلة “ملفات الأجسام الطائرة الغامضة” (UFO Files) عام 2005، استعرضت فيها أحداث كويامي المفترضة من منظور التحقيقات الصحفية​
. وفي 2008، بحث برنامج "صائدو الأجسام الفضائية" (UFO Hunters) حادثتي  كويومي Coyame و خيليتلا  Xilitla  - واقعة أخرى لاحقة في المكسيك عام 2007 - وقارن بينهما​.
 ورغم أن هذه البرامج لم تقدم دليلاً علمياً قاطعاً، لكنها زادت من شهرة القصة وجذبت جمهوراً واسعاً من المهتمين. من جهة أخرى، تناول الصحفيون العلميون والمتشككون القضية أيضاً. نُشرت مقالات في مواقع نقدية مثل RationalWiki وغيرها تصف حادثة كويامي بأنها أسطورة حضرية جرى تضخيمها​.

مشيرين إلى عدم وجود تسجيلات رسمية لحادث طيران غريب في تلك الفترة وأن الوثائق المسربة قد تبيّن زيفها. بعض التحليلات ربطت التوقيت بحادث تحطم طائرة صغيرة محملة بالمخدرات عام 1974 في نفس المنطقة تقريباً، حيث ربما تكون السلطات قد تكتمت على عملية لاسترجاع مخدرات أو التصدي لمهربين  - وهو أمر غير مستبعد في السبعينات -  ثم جرت لاحقاً إعادة سرد القصة بلمسة فضائية​.

هذا الرأي يدعمه غياب أي دليل مادي محفوظ: لا قطع حطام معروفة، ولا صور موثقة للحادث، ولا حتى أرقام طائرات أو أسماء ضحايا يمكن التحقق منها علنًا.

بين الرواية الرسمية الغائبة والرواية غير الرسمية الزاخرة بالتفاصيل المثيرة، تبقى حادثة "روزويل المكسيك" لغزاً مفتوحاً. إن صحت أقوال الشهود والتسريبات، فنحن أمام قصة مذهلة عن اصطدام فضائي وتكتم حكومي قد ينافس أشهر أفلام الخيال العلمي. وإن كانت مجرد أسطورة، فهي مثال شيّق على كيف تنشأ نظريات المؤامرة وكيف يمكن لحادث عادي أن يتحول إلى قصة تؤرق الأذهان لعقود.

الحقيقة الكاملة تظل مدفونة في صحراء تشيواوا الشاسعة… وربما لن نعرفها أبداً. لكن المؤكد أن "روزويل المكسيك" نجحت في حجز مكانها في ثقافة الأجسام الطائرة المجهولة كواحدة من أكثر الحكايات غموضاً وإثارة، بين مؤيد يصدق كل حرف ومشكك ينفي جملةً وتفصيلاً. 


إقرأ أيضاً ...

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ