25 مارس 2025

Textual description of firstImageUrl

أسرار لا تُروى من غرفة تغسيل الموتى

إعداد : كمال غزال

من أغرب وأعمق التجارب التي قد يمر بها الإنسان، أن يقف على عتبة الموت لا كمُفجَع بفقد، بل كمُشارك في لحظة الوداع الأخيرة... كمُغسّل للأموات.

هي ليست مهمةً جسدية، ولا حتى واجبًا شرعيًا يُؤدى وفق أحكام فقهية فحسب، بل هي رحلةٌ صامتة إلى ما وراء الظاهر، حيث يلتقي الإنسان بالحقيقة المجردة للحياة والموت، للروح والجسد، للنهاية التي تنتظرنا جميعًا.

فريضة بقدرها.. ولكن أعمق مما نظن
في الشريعة الإسلامية، يُعد تغسيل الميت فرض كفاية، أي إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين. ويُعد هذا الغُسل جزءًا من تكريم المسلم بعد وفاته، فيُغسل الجسد ثلاث مرات على الأقل، أو أكثر إذا اقتضى الأمر، ويُراعى في ذلك الستر، والنية، والطهارة، والوقار.

لكن ما لا يُروى في كتب الفقه، هو ما يعيشه أولئك الذين يباشرون هذه المهمة، من تجارب نفسية وروحية عميقة، بل أحيانًا خارجة عن المألوف. فبين كل جثمان وآخر، لا تتكرر المشاعر، ولا تتشابه التفاصيل.

تجارب من خلف الأبواب المغلقة
رُويت الكثير من القصص الغريبة والمؤثرة عن مغسّلي الأموات، ممن عاشوا تجاربهم في صمت ووجل.
أحد أشهر هؤلاء، الشيخ عباس بتاوي، تحدّث عن حالات تفوح منها روائح زكية لا تفسير لها، أو وجوه يعلوها نورٌ وسكينة لا تُوصف، رغم معاناة المتوفى في حياته.

- في المقابل، روت مغسّلة مغربية عن سيدة مسنّة، وبينما انتهت من غسلها، أحسّت كما لو أن يدًا خفية قبلت جبينها. لم تجد تفسيرًا، لكنها بكت.

- وهناك روايات عن أجساد ترفض أن تستجيب لتوجيهها نحو القبلة، أو تظهر عليها علامات تجعل من في الغرفة في حالة ذهول أو ارتباك.

علامات حسن الخاتمة؟ أم تفسيرات جسدية؟
قد يربط البعض هذه المشاهد بما يسمى بـ"حسن الخاتمة" أو "سوء الخاتمة"، فيظنون أن الرائحة الطيبة، أو الابتسامة، أو سكون الجسد هي أدلة على صلاح المتوفى، بينما يفسّرون الروائح الكريهة أو التشوهات بغير ذلك.

لكن علماء الدين والطب يحذرون من التسرّع في الحكم ، إذ ليس كل ما يُرى يُفسر روحيًا فالتغيرات التي تظهر على الجسد بعد الوفاة غالبًا ما تكون نتيجة عمليات فيزيولوجية طبيعية، مثل:

- تحلل الأنسجة بواسطة البكتيريا، ما يؤدي إلى إطلاق مركبات كريهة مثل الكادافيرين والبوتريسين.

- تغيّر لون الجلد نتيجة تراكم الدم في مناطق معينة.

- انتفاخ الجسد بسبب الغازات.

- تغيرات في ملامح الوجه نتيجة توقف الدورة الدموية.

- وقد تكون بعض الروائح ناتجة عن أمراض مزمنة كأمراض الكبد أو الكلى، وليس لها أي علاقة بحالة المتوفى الدينية.

تغسيل الجسد.. ولمس المعاني
الغاسلون لا يُنظّفون أجسادًا فقط، بل يغوصون – من حيث لا يدرون – في تجربة روحية خالصة.
هم يتعاملون مع الجسد كأمانة، يُعاد ترتيبه وتنظيفه وتكفينه، في طقسٍ يعكس التواضع، والسكينة، والرجاء.
هم يلمسون المعنى الحقيقي للفناء… ومع كل مرة، يخرجون وهم أكثر قربًا من الله، وأكثر إدراكًا لهشاشة الدنيا.

وقد يختلط الخوف بالرهبة، والحزن بالسكينة، لكن الجميع يُجمع على أن في هذا العمل تطهيرًا للنفس قبل أن يكون تطهيرًا للجسد.

العبرة الأخيرة: كلنا راحلون
تغسيل الميت ليس فقط ممارسة شرعية، بل محطة وجودية تختزل قصة الإنسان كلها.
من غرف التغسيل، نُدرك أن الجسد – بكل ما تعبنا من أجله – سينتهي إلى قطعة قماش وكفن أبيض.
وأن أعظم ما يُمكن أن يُقال بعد رحيلنا: "غُسّل ودفن، ادعوا له بالرحمة."

في تلك اللحظة، لا يبقى سوى العمل الصالح، والذكر الحسن، والدعاء.

فهل نحن مستعدون؟
ربما، علينا أن نعيد التفكير في حياتنا، وأن نراجع أولوياتنا، وأن نتذكر في زحمة الأيام أن هناك من سيغسلنا يومًا ما…
فليكن ذلك اليوم بداية خلود لا نندم عليه.


إقرأ أيضاً ...

- ما سر الراحة التي تبدو على وجوه البعض عند وفاتهم ؟

- جثامين لا تتحلل رغم مرور السنين : بحث في الأسباب المحتملة

- مقاعد الموتى في أراجون 

- لماذا زرع الصينيون أشجار البلوط في مقابرهم ؟

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ