إعداد : كمال غزال |
لا أتذكر كثيراً من التفاصيل إذ مضت ثلاثة عقود على هذه التجربة وأصبح مصير هذه القصة الغير القابلة للتحقق من وقائعها كمصير العديد من الحكايات التي تُروى حول نيران المخيم والتي كانت ممتعة في أغلبها غير أنها مخيف نوع ما، رغم أن تلك التجارب قد تبدو دليلاُ قاطعاً على أمر لا يمكن إنكاره : " الأطفال كائنات صغيرة ترعبنا قصصهم ، فهم يتسللون ليروا أشباحاً ويبلغون عن أحداث في حياة ماضية، كما يتحدثون في الليل مع أقاربهم القتلى ".
وإذا كنت لا ترغب النوم هذه الليلة ، فأنصحك بالتوجه إلى منصة ريديت reddit للتواصل الإجتماعي فهناك ستسقط في حفرة أرنب مرعبة كما فعلت أليس في بلاد العجائب حيث تجمع (جيزيبل) وتنشر قائمة سنوية في كل عيد هالوين ، وهي قصص ستطاردك لبقية العام وهذا يبين أن الأطفال يرون الأشباح في كل وقت.
وعندما كنت أبحث عن قصص في جروب محلي لأمهات وجدت العشرات من قصص مثل قصة طفل صغير رأى "عدداً هائلاً من الناس" يسيرون ببطء في أرجاء مقبرة فارغة وطفلة تبلغ من العمر عامين فقط تحدثت عن " الجدة في السماء مع البابا ! " وذلك بعد دقائق من وفاة جدتها، وقصة أخرى عن رؤية طفلة لصديق تخيلي مزعج تدعى سوزي والتي كانت زوجة أبيها الأولى وقصص أخرى مشابهة.
فهل هناك تفسير معقول لها ولماذا تحدث للأطفال بصورة أكبر بكثير من الكبار ؟
تنتشر ظاهرة رؤية الأطفال (المزعومة) للأشباح عبر الإنترنت ، ولكن بغض النظر عن مدى احتماليتها أو عدم إمكانية إثباتها ، فإن حجم الانتشار الكبير لتلك القصص وحده يكفي لجذب إنتباه العلماء والأخصائيين في علم النفس، تقول (جاكلين دي وولي) وهي أستاذة علم النفس في جامعة تكساس: " هناك الكثير من التقارير التي تفيد بأن الأطفال يرون أشباحاً " ، يتعمق بحث (وولي) في تقييم الأطفال وفهمهم للواقع مقابل الخيال (الفانتازيا) ، وقد استمتعت برواية قصتي لها عن بالفتاة أعلى الدرج ثم قالت : " هذا يكفي لجعلك تعتقدين أنها حقيقية - ولو لحوالي جزء من الثانية " ، على الرغم من المتعة التي تجلبها " قصص الهالوين " تلك ، إلا أن هناك العديد من الثغرات في قصص مثل قصتي كما تقول وولي وهي الدماغ ، تقول وولي : "تقيم عقولنا بشكل طبيعي روابط بين الأحداث سواء كانت أحداثاً متصلة أم لا، والدماغ يهتم بالأدلة التي تتناسب مع نظريتنا بينما يتجاهل الأدلة التي لا تتناسب معها " ، على سبيل المثال من المرجح أن الطفل قد سمع اسم "سوزي" مائة مرة أكثر من شبح سوزي الذي يقبع في الأرجاء وفي جلسات الشاي.
بعد ذلك ، ضع في اعتبارك الخيال الخصب للأطفال ويمكنك أن تجادل بسهولة بأن سوزي لم تكن شبحاً وإنما صديقة تخيلية في واقع الأمر، ويقول (تشارلز فيرنيهو) عالم النفس في جامعة دورهام والذي يبحث في ظاهرة الهلوسة: " نعلم أن ما بين حوالي ثلث إلى ثلثي الأطفال لديهم رفاق وهميون" ، ومنذ وقت ليس ببعيد كان يُعتبر الأصدقاء الوهميون مقدمة لمرض عقلي، غير أننا نعلم الآن أنها علامة إيجابية على نمو الطفل الصحي ويضيف : "الآن ..يأتي البالغون إلي وهم قلقون إن لم يكن لدى طفلهم صديقاً تخيلياً !".
انبهر علماء النفس التنموي مثل (جان بياجيه) بالخط الغامض بين الخيال والواقع للأطفال - سواء كانوا أصدقاء أو أحلاماً أو أشباحاً ، وقد افترض نمط التفكير القديم أن الأطفال لا يمكنهم التفريق بين ما هو حقيقي وما هو غير ذلك ، بينما يعتقد المفكرون الجدد مثل وولي أن " الأطفال يعرفون تماماً ما هو حقيقي ، حتى لو بدا لك أنهم لا يستطيعون معرفة الفرق" ، ويطرح ( فيرنهوغ) رأياً وسطاً : " أعتقد أن الأطفال في بعض الأحيان يخلطون بين الخيال والواقع للحصول على شيء مثل تجربة شبيهة بالهلوسة " ، وإذا لم تخبر طفلك أبداً بأن صديقه الوهمي ليس حقيقياً أو أنه مجرد تخيل لأشياء أو حتى تتهمه بالكاذب فيجب عليك أن تتعامل مع أي شبح "مزعوم" بنفس الطريقة، مما يطرح سؤالًا غريباً : " كيف عليك التصرف إذا أبلغ طفلك الصغير عن زيارة من الجانب الآخر ؟ " ، الأهم من ذلك ، لا تفقد أعصابك فجأة ، يقول فيرنيهو: "يشعر الكثير من الآباء بالقلق بشأن رفقاء خياليين وتجارب غريبة، فهي إن لم تكن محنة حقيقية فلا تقلق ، ولمعرفة فيما إذا كانت تشكل محنة حقيقية فقط اسأل الطفل ".
تقول وولي: " عليك أن تتعامل مع مشاعر الطفل وليس الشبح ، وهو ليس الوقت المناسب لتعلمه عن الخيال مقابل الواقع ". وتضيف: " لأنهم إذا كانوا خائفين ، فلن يهم ذلك على أي حال" ، وبدلاً من ذلك ، تقول وولي : " اعمل ضمن الخيال " تماماً مثلما قد تفعل مع وحش تحت السرير: " تفاعل مع الطفل فيما يتعلق بالشكل الذي يبدو عليه وما يفعله. اسأله عما إذا كان خائفاً من الشبح أم أنه يحبه وما إذا كان قد رآه من قبل ". يمكنك تعديل صورة الشبح المخيف حسب الضرورة - ربما يمكنك مساعدة الطفل على التظاهر بأنه يرتدي ملابس داخلية قديمة على سبيل المثال - ليصبح شخصاً ودوداً ، إذن الأمر متروك لك بصفتك أحد الوالدين لتقرر ما إذا كنت تريد أن تشجع على هذا الاعتقاد أو تقلل منه ".
أعتقد أن والدتي كانت أول من روجت لفكرة الأشباح الودودة في حياتي والتي يقال إنها تطارد منزلنا حتى يومنا هذا ، بالنسبة إلي أود أن أقول بإنني غير مؤمنة منطقياً بنسبة 99 في المائة ، على الرغم من أن 1 في المائة حقاً هو كل ما تحتاجه حتى يتفق معك العلماء ومن المهم أن ألا تقل " مطلقاً أبداً " ، كما تقول وولي " لأنها الطريقة العلمية للقول ".
لا يمكن أن يكون الأمر سهلاً ، لكن الطبيب النفسي للأطفال جيم بي تاكر يوازن بين العلم والماورائيات في قسم الدراسات الإدراكية في جامعة فيرجينيا قائلاً : " نحن لا نتبع نهج المؤمن أو غير المؤمن ، بل نبحث ونستكشف ظاهرة الأطفال الذين يبلغون عن حياة ماضية وغالباً ما تتداخل التقارير حول الأطفال الذين رأوا أقاربهم المتوفين - بما في ذلك بعض الذين ماتوا قبل وقت طويل من ولادتهم ".
وقرأت إحدى القصص من هذا القبيل على موقع BuzzFeed :
" عندما كانت ابنتي تبلغ من العمر 3 سنوات ، بدأت تخبرنا أن رجل يوقظها في الليل كانت تراه بهيئة رجل ظلي يداعب قدميها ، اعتقدنا أنها كانت تحلم فقط حتى صادفنا صورة قديمة لأجدادي في يوم زفافهم ، وأشارت ابنتي إلى جدي وقالت ،" هذا هو ! .. هذا هو الرجل الذي يدغدغ قدمي ! ، توفي جدي عندما كنت في السادسة من عمري".
يقول تاكر: "عندما تسمع عدداً كافياً من القصص من هذا القبيل ، تبدأ بالفعل في التفكير في وجود شيء ما هناك ، أنا منفتح على ذلك ، هذا كل ما يمكنني قوله سواء كنت تؤمن أم لا ، فإن أفضل نصيحة للآباء هي أن يكونوا هادئين أمام طفلهم ، لا أعرف ما إذا كان عليك فعل أي شيء سوى الإستماع إلى ما يقوله طفلك ، الأطفال يكبرون ويتركون تلك الأمور ".
لكن هل هم حقاً يتركون تلك الأمور ؟ ها أنا ذا ، فبعد ثلاثة عقود من ظهور طفلة صغيرة أعلى الدرج ، ما زلت أحب هذه القصة، والآن بعد أن أصبح لديّ طفلي الصغير ، أنا متأكدة من أنها تثير كل حبي للسحرة والغيلان في شهر أكتوبر ، تقول وولي: " أظن أن الأطفال يرون الأشباح بشكل أكثر شيوعاً في فترة عيد الهالوين عندما يعتقد آباؤهم ".
وقبل أن أختم هناك قصة أخيرة :
جلسنا ونحن نقرأ الكتب الليلة الماضية عندما همست ابنتي بعمر سنتين : "هناك شخص ما على الباب "، فسألتها: " ماذا قلت ؟ " فيما كنت أحدق في المدخل الفارغ المظلم ، ثم كررت ببطء : " هناك شخص ما على الباب " ، ثم أشارت إلى الكتاب الذي كنا نقرأه حيث كان لدى الآنسة Little Miss Lucky في صورة من كتاب القصة زائر بالفعل عند بابها مما يثبت أنني كنت الوحيدة الخائفة في غرفة النوم.
نبذة عن روزماري كاونتر
هي كاتبة ومؤلفة مقيمة في تورنتو - كندا وهي لم تر أي شبح مخيب للآمال هذا الموسم ، إنها تتأمل عالم الإنسان في موقعها على الانترنت.
إقرأ أيضاً ..
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .