إعداد : كمال غزال |
إذا كنت تؤمن بوجود الأشباح فأنت لست وحدك. تؤمن الثقافات في جميع أنحاء العالم بالأرواح التي تنجو من الموت فتعيش في عالم آخر، في الواقع ، تعد الأشباح من بين أكثر الظواهر المنتشرة في الماورائيات : حيث يهتم ملايين الأشخاص بالأشباح ، ففي استطلاع رأي أجرته هاريس في عام 2013 تبين أن 43٪ من الأمريكيين يؤمنون بالأشباح.
تعد فكرة بقاء الأموات معنا بأرواحهم فكرة قديمة تظهر في قصص لا حصر لها ، بدءاً من الكتب المقدسة إلى رواية "ماكبث" لشكسبير حتى أنها ولدت نوعاً من الفولكلور يدعى بـ " قصص الأشباح ".
الإيمان بالأشباح هو جزء من شبكة أوسع من المعتقدات الخارقة ذات الصلة بما في ذلك تجربة الاقتراب من الموت NDE ، والحياة بعد الموت ، والتواصل مع الأرواح ، تمنح هذه المعتقدات الناس الكثير من الراحة - فمن منا لا يريد تصديق أن أحباءنا المتوفين من أفراد عائلتنا لا يبحثون عنا ؟! ، أو أنهم معنا في أمس أوقات حاجتنا ؟ - أقرأ عن كيف يتواصل أحباؤنا المتوفين معنا.
حاول الناس (أو ادعوا) تواصلهم مع الأرواح على مر العصور ؛ ففي إنجلترا الفيكتورية على سبيل المثال كان من المألوف لسيدات الطبقة العليا في صالوناتهن إقامة "جلسات استحضار الأرواح " بعد تناولهن للشاي وقطع الكعك مع الأصدقاء. حتى أنه جرى إنشاء أندية مكرسة للبحث عن أدلة عن الأشباح في جامعات مرموقة تدعى بـ "أندية الأشباح" بما في ذلك جامعتي كامبريدج وأكسفورد ، وفي عام 1882 أنشئت جمعية مرموقة تدعى جمعية البحوث النفسية Society for Psychical Research . وكانت (إليانور سيدجويك) تعمل محققة فيها وترأست الجمعية لاحقاً ، ويمكن اعتبارها "مطاردة أشباح أصلية" ، وفي أمريكا خلال أواخر القرن التاسع عشر ادعى العديد من الوسطاء النفسيين بأنهم تحدثوا إلى الموتى لكن جرى كشف أساليب خداعهم لاحقاً من قبل محققين متشككين مثل (هاري هوديني).
ولم يلق صيد الأشباح إهتماماً واسع النطاق في جميع أنحاء العالم حتى وقت قريب . ويُعزى الكثير من هذا الإهتمام إلى مسلسل تلفزيوني شهير باسم " صائد الأشباح" Ghost Hunter والذي عرض على قناة كابل للخيال العلمي تدعى ساي فاي SyFy وأصبح العرض الآن في عقده الثاني في عدم العثور على أدلة جيدة على الأشباح. أنتج هذا العرض العشرات من حالات الزيف والإدعاء الكاذب، وليس من الصعب أن ندرك لماذا يحظى بشعبية كبيرة لأنه يرتكز على فرضية أن كل شخص يسعى وراء الأشباح ، كان نجما العرض من الناس العاديين (أحدهما سباك في الواقع) وقررا البحث عن أدلة على وجود الأشباح وكانت رسالتهم: " أنت لست بحاجة إلى أن تكون عالماً مثالياً ، أو تخضع حتى لتدريب في مجال العلوم أو التحقيق. كل ما تحتاجه هو بعض وقت الفراغ ومكان مظلم وربما بعض الأدوات من متجر للالكترونيات ،إذا نظرت أو أمعنت لفترة طويلة أو بما فيه الكفاية فإن أي ضوء أو ضوضاء غير مفسرة قد تكون دليلاً على الأشباح ".
دور العلم والمنطق في ظاهرة الأشباح
تتمثل إحدى الصعوبات في تقييم الأشباح علمياً في أن مجموعة متنوعة وعديدة من الظواهر تُعزى إلى الأشباح ، من باب يُغلق من تلقاء ذاته ، إلى مفاتيح مفقودة ، إلى منطقة باردة في الردهة ، إلى رؤية قريب متوفى ، عندما أجرى علماء الاجتماع دينيس وميشيل فاسكول مقابلات مع الذين عايشوا تجارب مع الأشباح في نشروها في كتاب عام 2016 بعنوان "مواجهات مع الأشباح : مطاردة الحياة اليومية " وجدوا أن " العديد من المشاركين لم يكونوا متأكدين من أنهم واجهوا شبحاً كما بقوا غير متأكدين من إمكانية حدوث هذه الظواهر أساساً، ببساطة لأنهم لم يروا شيئاً يقترب من الصورة التقليدية الإنطباعية عن "الشبح" ، بدلاً من ذلك ، كان الكثير من المشاركين في المقابلات مقتنعين ببساطة أنهم عانوا شيئاً غريباً - شيئاً لا يمكن تفسيره أو غير عادي أو غامض أو غريب ". وبالتالي ، فإن الكثير من الأشخاص الذين يصرحون عن مرورهم بتجربة شبحية لم يروا بالضرورة أي شيء قد يتعرف عليه معظم الناس على أنه "شبح" كلاسيكي ، وفي الواقع قد يكون لديهم تجارب مختلفة تماماً ، العامل المشترك الوحيد فيها هو أنها لا يمكن تفسيرها بسهولة.
التجربة الشخصية شيء والأدلة العلمية مسألة أخرى. تكمن الصعوبة في التحقيق في الأشباح في عدم وجود تعريف واحد متفق عليه عالمياً حول ماهية الشبح ، يعتقد البعض أنهم أرواح الموتى الذين "فقدوا" طريقهم للوصول إلى الجانب الآخر لأي سبب كان في حين يدعى البعض الآخر أن الأشباح كيانات تتخاطر جرى إسقاطها في واقعنا لكنها من صنع أذهاننا.
ولا يزال آخرون ينشئون تصنيفاتهم الخاصة للأشباح ، مثل الأشباح الضاجة Poltergeists ، والسكنى المقيمة Residual Hauntings ، والأرواح الذكية ، وذوي الظل Shadow People ، وبالطبع كل شيء مؤلف على غرار تصنيف الجنيات أو التنانين المختلفة: هناك دائماً العديد من أنواع الأشباح التي نريدها أن تكون.
هناك العديد من التناقضات الكامنة في الأفكار حول الأشباح، على سبيل المثال ، هل تتجسد الأشباح مادياً أم لا ؟ أو هل يتمكن الشبح من التحرك عبر الأجسام الصلبة من دون إزعاجه ، أو يمكنه إغلاق الأبواب أو إلقاء الأشياء في جميع أنحاء الغرفة. وفقًا للمنطق وقوانين الفيزياء وإذا افترضنا أن الأشباح تمثل أرواحاً بشرية ، فلماذا تبدو ترتدي ملابس وبحوزتها أشياء غير مألوفة مثل قبعات وعصي وفساتين - ناهيك عن التقارير العديدة عن القطارات الشبحية وكذلك السيارات والعربات الشبحية؟
إذا كانت الأشباح بالفعل أرواح أولئك الذين لم يفلحوا مغادرة عالمنا أويموتوا كالآخرين فلماذا توجد جرائم قتل لم تُحل بعد ؟! ، حيث يقال أن الأشباح يتواصلون مع وسطاء روحانيين ، إذن ينبغي أن يكونوا قادرين على تحديد هوية قتلتهم للشرطة. وما إلى ذلك .
يستخدم صيادو الأشباح العديد من الأساليب الإبداعية (والمريبة) للكشف عن وجود الأرواح بما في ذلك الوسطاء الروحانيين في كثير من الأحيان. في الواقع ، يدعي جميع الباحثين عن الأشباح أنهم علميون ، ومعظمهم يبدون هذا المظهر لأنهم يستخدمون معدات علمية عالية التقنية مثل عدادات جيجر لقياس الإشعاعات وكاشفات المجال الكهرومغناطيسي (EMF) ، وكاشفات الأيونات ، وكاميرات الأشعة تحت الحمراء ، والميكروفونات الحساسة. حتى الآن لم يثبت أن أياً من هذه الأجهزة ساهمت بكشف الأشباح فعلياً ، طوال قرون اعتقد الناس أن النيران تتحول إلى اللون الأزرق لحظة حضور الشبح أما في عصرنا هذا يقبل عدد قليل من الناس أنه جزء من المعتقدات الشعبية ليس إلا ، ومن المحتمل أيضاً أن العديد من العلامات التي يأخذها صائدوا الأشباح اليوم عن وجود الأشباح ستكون خاطئة وقديمة بعد مرور قرون من الآن.
يدعي باحثون آخرون أن السبب وراء عدم إثبات وجود الأشباح هو أننا ببساطة لا نملك التكنولوجيا المناسبة للعثور على عالم الروح أو اكتشافه. ولكن هذا أيضاً لا يمكن أن يكون صحيحاً: إما أن الأشباح موجودة وتظهر في عالمنا المادي العادي (وبالتالي يمكن اكتشافها وتسجيلها في الصور الفوتوغرافية وتسجيلات الأفلام والفيديو والتسجيلات الصوتية) أو أنها غير موجودة أساساً. إذا كانت الأشباح موجودة ويمكن اكتشافها أو تسجيلها بشكل علمي ، فيجب أن نجد دليلاً قاطعاً على ذلك - ومع ذلك لم نتمكن من ذلك بعد. وفي حالة وجود الأشباح وعدم تمكننا من اكتشافها أو تسجيلها بشكل علمي فإن جميع الصور ومقاطع الفيديو والصوت والتسجيلات الأخرى التي يُزعم أنها دليل على الأشباح لا يمكن أن تكون أشباحاً. ومع وجود الكثير من النظريات الأساسية المتناقضة مع بعضها - والقليل من العلوم التي تم تناولها في هذا الموضوع - ليس من المستغرب أنه على الرغم من الجهود التي بذلها الآلاف من صائدي الأشباح على شاشات التلفزيون وفي أماكن أخرى لعقود من الزمان ، لم يتم العثور على دليل واحد دامغ عن وجود الأشباح.
وبالطبع ، مع التطورات الأخيرة جرى الحديث عن "تطبيقات الأشباح" للهواتف الذكية ، إذ أصبح من السهل إنشاء صور مرعبة ومشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي من أي وقت مضى ، مما يجعل تمييز الواقع من الخيال أكثر صعوبة بالنسبة للباحثين الأشباح.
لماذا يؤمن الكثير من الناس بالأشباح ؟
معظم الناس الذين يؤمنون بالأشباح يفعلون ذلك بسبب بعض الخبرة الشخصية ؛ لقد نشأوا في منزل حيث كان وجود أشباح (ودية) أمراً مفروغاً منه ، على سبيل المثال ، أو كان لديهم بعض الخبرة المزعجة في "جولة تصيد أشباح" ومع ذلك ، يعتقد الكثير من الناس أن دليل وجود الأشباح يمكن العثور عليه من الفيزياء الحديثة (إن لم نقل العلوم الصعبة). إذ يقال على نطاق واسع أن ألبرت أينشتاين اقترح أساساً علمياً لواقع الأشباح ، استناداً إلى القانون الأول للديناميكا الحرارية: إذا لم يكن من الممكن توليد الطاقة أو تدميرها ولكن فقط تغيير شكلها ، ماذا يحدث لطاقة الجسم عندما نموت ؟ هل يمكن أن تتجلى بطريقة ما على أنها شبح ؟
يبدو أنه افتراض معقول - إلا إذا فهمت الفيزياء الأساسية. الجواب بسيط للغاية ، وليس غامضاً على الإطلاق. بعد وفاة الشخص ، تذهب الطاقة في جسمه إلى حيث تذهب طاقة جميع الكائنات بعد الموت: في البيئة، يتم تحرير الطاقة بشكل حرارة ، وتحويل الجسم إلى الحيوانات التي تأكلنا (أي إلى الحيوانات البرية إذا تركنا بدون دفن ، أو الديدان والبكتيريا في حالة الدفن) وتنتقل إلى النباتات التي تمتصنا ، إذن لا توجد "طاقة" جسدية تنجو من الموت حتى يتم اكتشافها بواسطة أجهزة صيد الأشباح الشهيرة.
بينما يحب صائدو الأشباح الهواة تخيل أنفسهم على رأس ما توصلت إليه الأبحاث حول الأشباح ، فإنهم ينخرطون حقاً في ما يسميه أهل الفولكلور أو تقفي أثر الأسطورة. إنها في الأساس شكل من أشكال اللعب حيث "يتصرف" الناس في أسطورة ، وغالباً ما تتضمن أشباحاً أو عناصر خارقة للطبيعة. وفي كتابه " المخلوقات الخارجية، الأشباح ، والطوائف: الأساطير التي نعيشها" (مطبعة جامعة ميسيسيبي ، 2003) يشير عالم الفلكلور بيل إيليس إلى أن صيادي الأشباح أنفسهم غالباً ما يأخذون البحث بجدية ويجازفون لتحدي الكائنات الخارقة للطبيعة ، ويواجهونها بوعي بشكل دراماتيكي ، ثم العودة إلى بر الأمان ، الغرض المنشود من هذه الأنشطة ليس التسلية ، بل هو جهد صادق لاختبار وتحديد حدود العالم "الحقيقي "
إذا كانت الأشباح حقيقية ، وكانت نوعاً من الطاقة أو الكيان غير معروف لنا بعد ، فسيتم اكتشاف وجودهم كسائر الاكتشافات العلمية الأخرى والتحقق منها من خلال تجارب متحكم فيها - وليس عن طريق صائدي الأشباح الذين يتجولون في عطلة نهاية الأسبوع حول المنازل المهجورة في الظلام في وقت متأخر من الليل مع الكاميرات والكشافات.
في النهاية (وعلى الرغم كومات هائلة من الصور والأصوات ومقاطع الفيديو الغامضة) ، فإن الأدلة على الأشباح ليست اليوم أفضل مما كانت عليه قبل عام أو عقد مضى أو قرن مضى. هناك سببان محتملان لفشل صياد الأشباح في العثور على أدلة جيدة. الأول هو أن الأشباح غير موجودة ، وأن تقارير الأشباح يمكن تفسيرها عن طريق علم النفس ، والمفاهيم الخاطئة ، والأخطاء والخداع. الخيار الثاني هو أن الأشباح موجودة لكن صائدي الأشباح هم ببساطة غير أكفاء ويحتاجون إلى جلب مزيد من العلوم إلى أبحاثهم.
وفي نهاية المطاف ، فإن البحث عن الأشباح لا يتعلق بالأدلة (إذا كان الأمر كذلك ، فسيتم التخلي عن البحث منذ فترة طويلة). بدلاً من ذلك ، يتعلق الأمر بالتسلية مع الأصدقاء ، ورواية القصص ، والتمتع بالتظاهر أنهم يبحثون على حافة المجهول فالجميع يحب قصة شبح جيدة.
المصدر
- موقع لايف ساينس
إقرأ أيضاً ...