إعداد : عطية بوخاطر |
إذا رجعنا إلى بدايات الزمن الغامضة لحياة البشر سنكتشف الأسباب التي نجم عنها ولادة الأساطير ، في رحم ظروف تطور فيها فهم الإنسان لأحداث الطبيعة وحتى عالم جسده ونفسه فنسجها من خياله الخصب حينما لم يكن بإمكانه تفسيرها في باكورة العلم البدائي ، كمن يكمل لغز الصورة الناقصة وقد يأتي إكمالها ليدعم معتقدات دينية راسخة في أجيال المجتمع التي تتوارث هذه المعتقدات.
استخدم الانسان البدائي قصص الأساطير المتوارثة من جيل إلى جيل لتفسير الظواهر الكونية والكوارث الطبيعية . فعلى سبيل المثال تصور الإنسان البدائي أن سبب هطول الأمطار يعود إلى إله يصب الماء من إناء في السماء ، أما الرياح فلها إله ينفخها بمراوح ، بينما الشمس عباره عن عربة يقودها (ابوللو) في رحلة سرمدية أنها هي شعله فى يد (ابوللو)، كما اعتقد الإغريق أن البرق هو سهام في جعبة (زيوس) زعيم الآلهة ، أي أن وجود بعض الآلهة محاولات لتفسير أسرار الكون . وهكذا ظهرت أساطير الاولين لدى البابليين والفراعنو والرومان والاغريق والمايا وغيرهم.
نرى في جميع الحضارات القديمة بحث عن تفسير الخلق والمخلوق وسير قوانين الكون أي الأسئلة الكبرى عن الكون كالخلق والقدر ومعنى الحياة وعالم ما بعد الحياة ، ولأنهم وجدوا الظواهر الطبيعية والغاضبة أحياناً (كوارث) مبهرة وخارقة فلا بد أنها تمت بفعل كيانات خارقة صنعوها من خيالهم ، هذا التفكير يؤدي دورين ، الاول يرضي فضول الناس بالإجابة عن تفسير الظاهرة طالما أن المعرفة بدائية وناقصة ولا تجيب عن الأسئلة في تفسير الظاهرة ، والثاني يستخدمه الكهنة لتبرير القيام بطقوس دينية وترسيخ سلطتهم الدينية أيضاً بين رعيتهم. كطقوس طلب الرزق والخصب من الآلهة والتي تتضمن تقديم قرابين. ولتلك الأسباب أصبحت الأساطير حكايات مقدسة لشعب او قبيلة أو تراثاً متوارثاً.
ومما لا شك فيه أن للأساطير صلة بالإيمان والعقائد الدينية لدى الشعوب البدائية، كما انها تعبير عن واقع ثقافي لمعتقداتهم عن الموت والحياة ، وهذه نظرة ميتافيزيقية لتصنيف المسائل ضمن إطار ماورائي بحت ، ونرى أساطير أيضاً تروي ملاحم الشعوب وأسلافها وحروبهم وانتصاراتهم ، وعلى هذا الاساس لا تعتبر الأساطير تاريخًاً يعتمد عليه لأنها روايات خرافية خيالية وإن أختلطت بوقائع فعلية أو كانت واقعاً شابه الخيال فحوله إلى أسطورة .
وفي كل الأحوال تظل الأسطورة مجهولة المؤلف فهي حكاية تجدها بعض المجتمعات كاذبة وأخرى تؤمن بها ، وتظل تنتقل من جيل لآخر لما فيها من معان فلسفية وربما حكم وتمثل جزءاً هاماً من حضارة وثقافة المجتمع. إلى أن تموت الأسطورة مع إرتفاع وعي المجتمع وثقافته وتقدم معارفه وعلومه التي قدمت الأدلة الدامغة لتفسير الظواهر فتصبح جزءاً ثانوياً من ثقافته أو تاريخه القديم .
وقد ظلت الأساطير طيلة عصور مديدة غير مكتوبة تتناقلها الأجيال شفهياً وفي معظم الاحوال كانت تتخللها الكثير من المتغيرات والإضافات شأنها في ذلك شأن أي قول متناقل شفهياً مع مرور زمن طويل ، وكان القصاص الماهر أو الشاعر ذو الخيال الخصب يضع لها بعض اللمسات التي تجعل الناس يتقبلونها بصدر رحب، مثل (هوميروس) الذي كان يروي الأساطير بطريقة خاصة تجعلها ممتعة لكل من يسمعها ، وقد كان الفضل ينسب الى (هوميروس) في بداية تدوين الاساطير وكتابتها.
زوس- مرسل الصواعق |
كما أن للأساطير تأثيراً كبيراً على أعظم عباقرة الموسيقى في التاريخ مثل (ريتشارد واجنر) و(ماسينت) الذين اتخذوا موضوعات موسيقاهم من الأساطير مثل الاوبرا الخالدة (اسطورة اورفيوس ويوريديكي).
ليس هذا فقط بل وصل تأثير الاساطير إلى مجال الصناعة والإعلانات فقد يكون الاسم التجاري لسيارة أو تطبيق هندسي أو عملي أو برمجي مأخوذاً من اسم الهه رومانية أو تسمى زجاجة عطر باسم الهه الحب والجمال او يطلق اسم أحد العمالقة على إحدى المعدات الثقيلة كما حدث مع سفينة (تايتانيك) الشهيرة الذي اقتبس مالكها الاسم - نظراً لضخامة السفينه - من كلمة (التيتان) وهم عمالقة ذوي قوة جبارة في الاساطير الاغريقية.
وتبقى الأساطير الاغريقية والرومانية الاكثر شهرة وتأثيراً على ثقافة عصرنا بما تتضمنه من دروس فلسفية تحتوى على فكر ثاقب وابتكار خلاب ظلت الاجيال تشيد بروعته على مدار العصور.
الفرق بين الأساطير والفولكلور
لا يستطيع المرء ان يقدم كتاباً عن الاساطير دون أن يخلط بينها وبين نظيرتها فى علم دراسة( التقاليد )، وهما الفولكلور والحكايات القديمة ، ولاشك انه هناك فرقاً كبيراً بين هذه الألوان الثلاث ، فالأسطورة هي قصة الأعمال التي يقوم بها احد الالهة -فى العقائد القديمة -أو إحدى خوارق الابطال وتبدو فيها محاولات الانسان لتفسير علاقاته بالكون والعالم،أو تفسير وجود بعض العادات والنظم الاجتماعية أو الخصائص المميزة للبيئة التي يعيش فيها صانعو الأساطير نفسه، والأسطورة فى هذه الحالة تنطوي على فهم ديني معين بالنسبة للشعب الذي رواها.
اما الفولكلور أو القصص الشعبية فهي تروى تراث البشرية في أطوارها الأولى من عادات وعقائد وقصص وفنون، وهي مجموعة حكايات ذات أصل أسطوري من دون شك، ولها ايضاً قيمتها الفنية والجمالية الخالصة، أما الحكايات القديمة فهي قصص وقعت أحداثها في أماكن حقيقية ،وهى تتعلق فى الغالب (إن لم يكن على الدوام) بأشخاص حقيقيين.
تلك هي الفروق بين الأسطورة وغيرها من الحكايات وهي فروق يمكن تلخيصها بأن الأسطورة دراسة للصور البدائية الأولى للأديان، أما الحكايات الشعبية القديمة فهي دراسة للمعتقدات والعادات البدائية التي مازالت تمارس حتى اليوم.
وفضل هذه الالوان مجتمعة أنها تقدم لنا صوراً من التفكيرالقديم فيما يتصل بالدين او بالعقيدة أو بالتقاليد أو البطولة والخيال ثم أن القصص في حد ذاتها مسلية وممتعة جداً .. وهناك قصص اسطورية عن أبطال الإغريق ما زالت تستهوينا حتى اليوم.
أنواع الأساطير
1-الأسطورة الطقسية :وهي تمثل الجانب الكلامي لطقوس الافعال التى من شأنها أن تحفظ للمجتمع رخاؤه.
2- أسطورة التكوين : هي التي تصور عملية خلق الكون .
3-الاسطوره التعليلية : وهي التي يحاول الإنسان البدائي عن طريقها أن يعلل ظاهرة تثير إهتمامه لكن من غير أن يجد لها تفسيراً ، ومن ثم فهو يخلق حكاية تشرح سر وجود هذه الظاهرة.
4-الاسطوره الرمزية :وهى التي تتضمن رمزاً يتطلب تفسيراً.
تعريفات متصلة
- الأسطورة : هي رواية أعمال إله أو كائن خارق ما تقص حادثاً تاريخياً خيالياً او تشرح عاده او معتقداً او ظاهره طبيعية.
- الميثولوجيا : لفظه لاتينية تعني نظام الاساطير كما يرويها جنس معين .. كما يعني هذا اللفظ ايضاً (علم الاساطير) او علم دراسة الاساطير.
- تعدد الالهة : هو الايحاء بوجود عدة آلهة كما هو الحال في جميع اساطير الشعوب ، حيث يتخيل الناس الآلهة بهيئة بشرية وهذا شائع في الأساطير الإغريقيه والرومانية .. أو في هيئة تمزج بين الحيوان والإنسان كآلهة المصريين القدامى ، أو كمخلوقات خرافية كالتنين في أساطير الصين وبعض أجزاء أوروبا.
مراجعة : كمال غزال
إقرأ أيضاً ..- أصناف الغموض : المعجزة ، الخوارق والأسطورة
- الغولم
- أسطورة صندوق باندورا
- أسطورة ميرلين
- الجرغول : مزراب الغموض
- حوريات البحر
- أبو السلاسل
- طائر الفينيق
3 تعليقات:
جميل .. المقال كان شاملا من جميع زوايا تعريف لفظ الاسطورة كجانب تاريخي و تفسيري .. أحسنت استاذ " بوخاطر "
27/05/2016، 11:40:00 م
طرح مميز جدا ويستحق الاشادة
10/07/2016، 7:46:00 ص
incredble
27/11/2016، 11:15:00 م
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .