إعداد : كمال غزال |
عندما لا نتمكن من تفسير حدث إستثنائي كـ "المعجزة" و "الظاهرة الخارقة" بحسب ما توصلنا إليه من علوم فعندئذ يكون له مكان في المجهول بين الخوارق إلى أن نثبت عدم صحته فيكون عندئد "خرافة" أو "دليل مزيف" أو أننا ندرك القانون الفيزيائي الذي يسير وفقه مع التقدم العلمي فيصبح عندئذ "معلوم" أو يبقى موضع جدل وشبهات في التاريخ فيغدو "أسطورة".
ويمكن تصنيف الأحداث الغير عادية والإستثنائية (سواء أكانت من الخوارق أو غيرها) إلى ما يلي :
1- المعجزة Miracle
تمثل المعجزة حدثاً يخرق بوضوح قانوناً فيزيائياً ويشهده مجموعة من الناس ، وما يميز المعجزة عادة عن الخوارق الأخرى أن لها صلة بما ذكر في مرجع أو كتاب ديني أو أنها تمت بواسطة شخص له مرجعية دينية بين قومه باعتباره مرسل من الله أو الإلهة (بحسب المعتقد)، والمعجزة تأتي هنا لتساعده في نشر رسالته الدينية أو فلسفته الجديدة بين قومه ، وللمعجزة مكانة عالية في معتقدات الناس تتجاوز الخوارق من الظواهر لأنها تستمد مصداقيتها من المعتقد الديني أو الثقافة الروحية الموروثة كما أنها نادراً ما تتكرر.
أمثلة عن المعجزات :
- معجزة خلق الناقة بواسطة النبي صالح.
- معجزة إنشقاق البحر الأحمر بواسطة النبي موسى.
- معجزة تحول العصا إلى حية بواسطة النبي موسى.
- معجزة إحياء الميت بواسطة النبي عيسى (المسيح)
- معجزة إنشقاق القمر بواسطة النبي محمد .
تأثير المعجزة في ثقافة المجتمع
تكتسب المعجزة حضورها وقوتها في الثقافة المتوراثة للمجتمع من خلال :
1- مكانة الأشخاص الإجتماعية (مكانة ثقافية ودينية ) الذين تمت الخوارق بواسطتهم كالأنبياء والقديسيين واالأولياء الصالحين وما يوصفون بـ"المبروكين "مثلاً .
2- عدد ومكانة الأشخاص الذين شهدوا على هذه الخوارق ويكونون عادة على صلة وثيقة بمن حدثت بواسطتهم الخوارق كالصحابة والتلامذة أو الأتباع.
3- الكتب التي تعتبر بمثابة مراجع دينية وبأنها كلمة الإله أو رسل الإله التي ذكرت تلك المعجزة.
- لكن المعجزة يمكن أن تتحول إلى مجرد "اسطورة" أو حتى أقل شأناً كـ "خرافة" وذلك مع سواء مع تطور ثقافة المجتمع والإنجازات والإكتشافات العلمية أو مع هيمنة منظومة معتقدات أو أديان لاحقة أخرى تنبذ ما سبقها من معتقدات أديان سابقة.
2- الظاهرة الخارقة Paranormal Phenomena
تمثل قوانين وقوى فيزيائية لم نتمكن من فهمها حتى الآن ، والظاهرة مبنية أساساً على تكرار الحادثة الغامضة من دون التوصل إلى تفسير معقول على ضوء ما نعرفه من قوانين فيزيائية ونظريات متحقق منها في المختبرات ما زالت هذه الظواهر تحير الباحثين حتى الآن ، فهناك عدد ضخم من التقارير والتجارب الواقعية والتي تكون في أغلبها تجارب شخصية تكشف عن غموض العقل والنفس ونذكر من هذه الظواهر :
- الأجسام الطائرة المجهولة (يوفو) وتجارب الإختطاف.
- الأطياف المجهولة (الأشباح) والمس الشيطاني.
- القدرات ما فوق الحسية مثل التخاطر ، الإستبصار ESP .
- قراءة المستقبل والرؤى التنبؤية.
- تأثير العين والحسد والطاقات.
- الاماكن التي توصف بـ "المسكونة"
- تجربة إقتراب الموت NDE.
3- الأسطورة Myth
الأسطورة قصة أو مجموعة من القصص المروية تأتي على ذكر حدوث أمور خارقة أو تتمحور حول كائنات خارقة بحيث يصعب دحضها كما يصعب إثبات صحتها ، وتستمد الأسطورة قوتها من إنتشار الشائعات وشهادات الناس المزعومة وتناقلها الشفهي من جيل إلى جيل مع مر الزمن ، إلا أن أهميتها منخفضة نسبياً في ثقافة المجتمع بالمقارنة مع "المعجزة" و "الظاهرة الخارقة" وذلك تماشياً مع تطور ثقافتهم (معتقداتهم ومعارفهم).
إن ما قد يعتبر "معجزة" لدى مجتمع في حقبة زمنية معينة قد يتحول إلى مجرد "أسطورة" في حقبة لاحقة حتى لدى نفس المجتمع ولكن بعد أن تطرأ تغييرات في ثقافته (المعتقدات والمعارف)، وهذا لا يعني أن كل "أسطورة" هي مجرد "خرافة"، فقد تعود بعض الأساطير في جذورها إلى أمور حدثت بالفعل على مبدأ (لا دخان بلا نار)، إلا أن النقل الشفهي أو الكتابي وما يعتريه من خيال المؤلفين والكتبة على مر العصور يساهم في تضخيم تفاصيل الأحداث الفعلية أو في إضافة عناصر للقصة لم تكن موجودة فيها ، فمثلاً قد ينخدع الصيادون القدامى بحيوانات الفقمة ليروا فيها حوريات البحر التي تناقلتها الألسن في حقبة من الزمن وقد يكون التنين له أصل في حيوان منقرض وقضية النار كانت تضخيماً خرافياً.
أمثلة عن كائنات أسطورية (والبعض يرى أنها خرافية تماماً) :
يمكن أن تتحول الأسطورة إلى :
1- "حقيقة " Fact : عندما يتم الثبت منها من خلال إكتشاف قوانينها الفيزيائية وظروف منشأها بحسب تطور معارفنا أو بالاستناد إلى مراجع تاريخية ذات أهمية تم إكتشافها خلال الكشوفات الأثرية.
2- "خرافة" Superstition: عندما يتم الكشف عن خطأها أو دحضها بحسب تطور معارفنا .
3- أسطورة ممكنة الحدوث : أي تبقى محل شبهات ، ويحتمل أن تحوي بعض الحقائق التي تم التحقق منها بحسب معارفنا الحالية . وهنا يمكن أن نقول أنها "ممكنة الحدوث " مع هامش من الشك يقل أو يزيد بحسب درجة غموضها.
4- الخرافة Superstition
الخرافة إما أن تكون خيال كتبه أو نقله الأسلاف فصدقه الأخلاف في زمن لاحق ثم تبين لهم فيما بعد ومع تطور ثقافتهم أنه محض خيال ولا أساس له من الصحة ، وإما أن يكون أسطورة وثبت زيفها فيما بعد مع تطور ثقافة أو معارف المجتمع.
إقرأ عن أصل بعض الخرافات .
5- الدليل المزيف Fake Evidence
هو عملية تزييف متعمدة تهدف إلى الترويح إلى "دليل" على حادثة خارقة أو وجود كائن غامض ، وقد يكون بشكل مقطع فيديو أو دمية أو خدعة بصرية أو من ألعاب الخفة التي يجهل قوانينها معظم الناس ، وتختلف أهداف الادلة المزيفة ولكن كثيراً منها يهدف إلى الشهرة أو المال (بيع كتب أو أفلام ، الترويج التجاري الفيروسي لمكان سياحي أو منتج) أو دعوة مغلفة بالكذب إلى دين أو مذهب معين يسعى لجذب منتمين جدد إليه ، ونذكر مثالاً على الأدلة المزيفة وهو إناء فرخ التنين .
الصورة لم تعد دليلاً
لم تعد الصورة سواء أكانت الثابتة أم المتحركة (تسجيل فيديو) دليلاً لإثبات ظاهرة ما ورائية خصوصاً مع سهولة التلاعب بها في برامج معالجة الصور على الحاسب كالمزج الذكي لعناصر صور أخرى في الصورة المنشورة مع مراعاة ظروف الإضاءة والظلال كما في الصورة المبينة والتي توضح شبح مزعوم لفتاة وسط النيران ، شاهد إثبات الزيف هنا، ولكن عندما تقترن الصورة بمعلومات المصدر وتحقيق جهة مستقلة لها مكانتها في البحث العلمي عندئذ يمكن أن نقول أنها إشارة إلى وجود ظاهرة غريبة لم نستطع معرفة أسبابها.
عندما تشاهد صورة على الإنترنت بدون أن تعلم اسم المصور ، مكان التصوير وزمانه وقصة الصورة فعليك هنا أن تتشكك بها أكثر من أي صورة أخرى ، فمن مصلحة ناشر الأكاذيب أن يخفي هويته ويخفي الزمان والمكان لكي لا يستطيع أحد التأكد على الأرض من صحة تلك الصورة. ومن مصلحته أيضاً أن تكون مبهمة التفاصيل لكي تكون موضع إشتباه وحيرة .
وقد يكون الدليل المزيف مصنوعاً بطريقة إحترافية بحيث لا يستطيع معه خبراء التصوير كشف زيفه إلا بعد أن يقوم أحد ما بفضح الخدعة كما حصل في صورة شبح الفتاة بين الحريق ، وقد يكون الدليل المزيف محاولة لترسيخ فكرة أو "نظرية مؤامرة " فيعرض في السياق كل الإشارات والتلمحيات لدعم هذه النظرية وهو ما ينشده معده وقد ينجح في خداع الكثيرين وبيع كتبه أو يكتفي بتحقيق أعلى نسبة مشاهدة في اليوتيوب .
مفهوم الخوارق مع مرور الزمن
يقول الفيلسوف الأمريكي (إلبرت هوبارد ) : " الخارق هو الأمر الطبيعي الذي لم يُدرس بعد ".
إن ما يعتبر "معجزة" أو ضرب من السحر والخيال في عصر متأخر من المعرفة العلمية قد يكون "قانوناً فيزيائياً معلوماً" في عصر متقدم عليه نسبياً. على سبيل المثال ومن منظور شخص عاش قبل 300 سنة يكون جهاز التلفزيون كالبلورة السحرية وتكون وسيلة نقل كالطائرة كبساط الريح الذي ذكرته روايات الخيال كقصص ألف ليلة وليلة ، وذلك لأنه لم يصل إلى فهم القوانين والقوى الفيزيائية المستخدمة في بناء هذه المخترعات.
وربما تبقى الكثير من الخوارق غامضة إلى الأبد لأنها حدثت ذات مرة بحسب زعم الذاكرة التاريخية (المكتوبة أو الشفهية) فلم تتكرر كظاهرة يمكن دراستها أو أنها بقيت جزءاً من معتقداتنا الراسخة التي ترتبط بالإيمان والتي يصعب علينا إنكارها من غير دليل حاسم لكن هناك أيضاً من سيتخذ مساراً توفيقياً تجنباً لخسارة الإيمان بهذه المعتقدات حتى مع وجود الدليل التاريخي أو المادي الذي يدحضها ، أي ما يسمى بنظرية التنافر المعرفي Cognitive Dissonance ، وبناء على هذا يجد البعض أنه من غير المريح حمل معتقدين متناقضين في أذهانهم في نفس الوقت ، ولذلك عليهم أن يقوموا بكافة أصناف الرياضات الذهنية للتوفيق بينهما.
العقل والقلب : طرفا الصراع
في الواقع يتدخل طرفان في منظورنا نحو الأحداث الإستثنائية وهما العلم ويمثله العقل والإيمان ويمثله القلب ، فإما أن نسلك درب التشكك من أجل الوصول إلى الحقيقة وإما أن يقودنا الإيمان إلى الوصول إليها من خلال التحقق من "المعتقد"الذي نؤمن بها .
مع ذلك قد يوقعنا التشكك المتطرف في فخ غرور الوصول إلى المعرفة الكاملة أو الإدعاء بأن العلم فسر كل شيء وبأننا نستطيع من خلال القوانين الفيزيائية تفسير كل ظاهرة مما يقود إلى إستبعاد أي نظرية أخرى في تفسير الأمور الخارقة للعادة وفي الإقلال من شأنها والنظر إليها كأمر طبيعي دون برهان قوي.
وعلى نحو مماثل يوقعنا الإيمان الأعمى في فخ معتقدات لطالما اعتبرناها من المسلمات في تغييب العقل مما يؤدي إلى الإبتعاد عن الحقيقة والتعلق بالأماني والخيال، فعلينا أن لا نرى الحقيقة كما نريد أن تكون بل كما هي وتماشياً مع ما وصلت إليه استناجاتنا العقلية والمنطقية.
تأليف : كمال غزال
إقرأ أيضاً ...
- التحقيق في الماورائيات : مضيعة للوقت أم فهم للعقل ؟- الخوارق والعلم
- في البحث عن الحقيقة
- كيف نفسر الخوارق لدى أصحاب التجارب ؟
10 تعليقات:
3njad mawdooo3 moheem w momtee3...ana aktar she ba7boo eldwaher el5are8aa...thxx 3la elmwdoo3
07/08/2012، 2:14:00 ص
غير معرف
يقول...موضوع جميل ويحتاج من المهتمين الى مزيد من البحث والاطلاع لفك شفراته وحل ألغازه.
شكرا لمؤلف الموضوع
07/08/2012، 7:12:00 ص
شكرا أستاذ كمال , موضوع جميل جدا ..
لكن في البداية ظننتك تتكلم عن موضوع الغموض كصفة في الكائن البشري ولما يتصف البعض بهذا الصفة وخاصة إذا دمجت مع صفة غرابة الأطوار .. أبرز العلوم الغريبة جدا برزت من أشخاص غريبي الأطوار وغامضين وكذلك القتلة المتسللين أغلبهم غامضين وغرباء الأطوار ..
يا ليت أستاذ كمال لو تتحدث عن موضوع الغموض وغرابة الأطوار كصفة في الإنسان ..
شكرا وتحياتي
07/08/2012، 10:49:00 ص
لماذا يا أخ كمال لا توجد مواضيع جديدة عن الكائنات الفضائية
لقد اشتقنا اليها
07/08/2012، 10:05:00 م
غير معرف
يقول...كن في البداية ظننتك تتكلم عن موضوع الغموض كصفة في الكائن البشري ولما يتصف البعض بهذا الصفة وخاصة إذا دمجت مع صفة غرابة الأطوار .. أبرز العلوم الغريبة جدا برزت من أشخاص غريبي الأطوار وغامضين وكذلك القتلة المتسللين أغلبهم غامضين وغرباء الأطوار ..
ليت أستاذ كمال لو تتحدث عن موضوع الغموض وغرابة الأطوار كصفة في الإنسان .
انا معك اخي سر الارض في كلامك ونريد حقا موضوع عن الغموض البشري فهو يثير فضولي جدا
اتمنى ان نري قريبا موضوع عنه
وشكرا على الموضوع
fofa
08/08/2012، 12:14:00 م
أسلامي متطرف
يقول...ررروووووووووووعة
بارك الله فيك يا أستاذ كمال
موضوع جداً جميل ويطرح أسألة جداً جميلة
09/08/2012، 11:02:00 ص
غير معرف
يقول...جميل جدا
10/08/2012، 5:33:00 ص
هنادي
يقول...أغلب القتله المتسللين مرضى نفسياً او تعرضوا لاشياء في طفولتهم !
موضوع رائع شكرا :)
15/08/2012، 10:04:00 ص
مقال رائع
واعجبنى جدا الجزء الخاص بالعقل والقلب
18/08/2012، 7:14:00 م
غير معرف
يقول...مقال جميل يدل على عقل منطقي سليم وثقافة واسعة .
31/08/2012، 5:32:00 م
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .