8 أبريل 2025

Textual description of firstImageUrl

ملحمة غريتر : طقوس درء الأرواح عند الفايكنغ

إعداد : كمال غزال

ليس الموت هو الرعب... بل ما قد يعود بعده.

في أقاصي الشمال، حيث الغابات الكثيفة تهمس بقصص الأجداد، وحيث الثلج يدفن أكثر من الجثث، وُلدت ملحمة آيسلندية تُعد من أعظم ما كُتب في الأدب الإسكندنافي :
"ملحمة غريتر"  Grettir’s Saga، والتي كُتبت في القرن الرابع عشر، لكنها تنبض بحياة قرون أقدم، في زمن كانت فيه الأساطير تُعتبر حقيقة، وكان للرعب جذور أعمق من الخيال.

من هو غريتر ؟
غريتر أسمنوندارسون، بطل مأساوي متمرد، محارب جسور لعنه القدر. ليست بطولته في قوته فقط، بل في مواجهته لما لا يُواجه: الموتى السائرين (draugr) – جثث تعود للحياة، تسكنها أرواح حاقدة، وتتمرد على قوانين الطبيعة.

في أحد أكثر فصول الرواية شهرة، يواجه غريتر "كارّ العجوز" ,وهو ميت لم يستسلم للموت، يسكن قبره بعيون مفتوحة، ويهاجم من يقترب. هذه المواجهة ليست رمزية فقط، بل مستوحاة من معتقدات نوردية عميقة حول الموتى الذين لا ينامون.

طقوس درء الأرواح
آمن الفايكنغ أن الموتى يمكن أن يعودوا، ليس كأشباح شفافة، بل ككائنات جسدية تهاجم وتنتقم. لذلك، طوّروا طقوساً واحتياطات غير مألوفة، تمزج بين الميتافيزيقا والخرافة:

- المقص الحديدي المفتوح: يوضع على صدر الميت ليمنع روحه من الحركة.
- خياطة أصابع القدمين: حتى لا يستطيع الجسد المشي إذا عاد للحياة.
- نقش رموز رونية سحرية في القبر: لحبس الروح داخله.
- ربط الرأس أو تغطيته: كي لا ترى الروح وتضل طريقها إلى الجسد.
- رسم دائرة من الملح حول النائم: وسيلة لحمايته من الأرواح الطائشة.
- قطع الرأس أو حرق الجسد: كحل نهائي لمنع العودة.


"باب الجثة": حين يصبح المعبر هو السجن
من أكثر الطقوس إثارة في معتقدات الفايكنغ ما يُعرف بـ "باب الجثة" (Corpse Door) ، كان الاعتقاد السائد أن الروح لا تستطيع العودة إلى المنزل إلا من خلال نفس الفتحة التي خرج منها الجسد.

لذلك، كانت العائلات تقوم بما يلي:

- فتح ثقب في جدار المنزل.
- تمرير الجثة منه بدلًا من الباب الرئيسي.
- إغلاق الثقب تماماً بعد ذلك، لمنع الروح من العودة.

هذا الطقس الغريب يعكس خوفاً دفيناً، بأن الموتى لا يُغادرون بسهولة، وأن على الأحياء أن يغلقوا جميع الأبواب حرفياً.

الوردة السوداء: تحذير صامت من العالم الآخر
في بعض مناطق الشمال، وخاصةً في الأساطير الشعبية اللاحقة، ظهرت رمزية الوردة السوداء، وهي علامة تُترك على عتبة منزل شخص لتحذيره من أن روحاً ميتة تتربص به، أو أن أحد "الدروغر" قد زار المكان ليلاً.

القاعدة واضحة: " إذا رأيت وردة سوداء على عتبة دارك… لا تلمسها، لا تلتفت، فقط ارحل فوراً وبسرعة ! "

تشابه ظاهري مع مفهوم الزومبي 
رغم أن كلمة "زومبي" لم تكن جزءاً من معجم الفايكنغ، إلا أن فكرة الميت الحي أو الذي ينهض من قبره بجسد مادي ويفتك بالأحياء وينتقم من خصومه، كانت حاضرة بقوة في معتقداتهم ، في ملحمة غريتر، يظهر "الدروغر" كشبيه مرعب لما نعرفه اليوم بالزومبي:

- جسد منتفخ متعفّن.
- قوى جسدية خارقة.
- لا عقل له، بل مدفوع بالحقد.
- لا يموت بسهولة، ويحتاج إلى طقوس خاصة لإيقافه.

لكن الفارق الجوهري أن "الدروغر" ليس مجرد ضحية ساحر أو مشعوذ وهبت نفسها له وتطيع أوامره… بل هي أرواح واعية وحاقدة، تُعيد احتلال الجسد بعد الموت، وتستمر في تهديد الأحياء، خصوصاً من انتهكوا حرمته أو جلبوا له العار.

في هذا السياق، يمكننا القول إن الفايكنغ قدّموا نسخة أكثر رمزية وروحانية من الزومبي، نسخة تمثل الخوف من الموت غير المكتمل، ومن الجثث التي لم تجد الراحة… بل تعود لتطالب بها.


الرعب ليس خيالاً… بل موروثاً
"ملحمة غريتر" ليست رواية خيالية بالمعنى الحديث، بل مرآة لأزمنة كان فيها الخوف من الموتى أقوى من الخوف من الموت نفسه ، هذه الطقوس، التي قد تبدو لنا غريبة اليوم، كانت جزءاً من نظام عقائدي واجتماعي يحاول فهم المجهول، ومواجهته بوسائل رمزية.

فعندما يصبح القبر بوابةً مفتوحة… لا بد أن يعرف الأحياء كيف يُغلقونه جيداً.


0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ