19 أبريل 2025

Textual description of firstImageUrl

كيانات النداء المقلد: أصوات مألوفة تخفي وجوهاً مجهولة

إعداد :  كمال غزال

هل سبق أن سمعت صوت شخص تعرفه يناديك من غرفة أخرى، لتكتشف أنه لم يكن هناك ؟ هل حدث أن طرق أحدهم بابك في منتصف الليل، بصوت مألوف، ثم اختفى ؟ هل سمعت اسمك يُنادى فجأة، بصوت تعرفه تماماً، لتلتفت وتجد نفسك وحيداً ؟ هل تساءلت... من ناداك حقاً ؟

في الحياة اليومية، تمر بنا لحظات لا نفسرها: أصوات تنبع من العدم، نداءات بأصوات نحبها، مشاهد من أطراف الرؤية لا نستطيع القبض عليها ، غالباً ما نبتلع هذه اللحظات بصمت، ونقنع أنفسنا بأنها تخيلات.

لكن، ماذا لو لم تكن كذلك ؟
ماذا لو كانت هناك كيانات... تتغذى على الثقة، وتتقن صوت الأحبة، وتنتظر أن ترد ؟

مرحباً بك في عالم "الكيانات المقلدة" -  أحد أكثر المفاهيم إثارة للقلق في الفلكلور والماورائيات.

ما هي الكيانات المقلدة ؟
الكيانات المقلدة Mimicking Entities هي كيانات غامضة يُعتقد أنها تستطيع تقليد أصوات بشرية مألوفة بدقة مخيفة تظهر في الأساطير، وفي تجارب واقعية، وفي حالات مسجلة من الهلوسات الصوتية التي تتحدى الفهم المنطقي ، لا تمتلك هذه الكيانات شكلاً ثابتاً، بل توصف بأنها غير مرئية في الغالب، أو حين تظهر، تتخذ هيئة غير مكتملة لشخص مألوف -  كأن شيئاً يحاول أن يبدو إنساناً لكنه لا يتقنه تماماً.

خطورتها لا تكمن في شكلها، بل في الصوت.
فهي لا تهاجم مباشرة، بل تتسلل عبر سمعك -  تناديك باسمك، بصوت والدتك، أو طفلك، أو شريكك، وتدفعك للرد… للذهاب… للفتح… وهنا يبدأ الفخ.

ما هدفها ؟ ولماذا تقلّد من نحب ؟
في غياب التفسير الملموس، تختلف الروايات حول أهداف هذه الكيانات ، لكن معظم القصص تشير إلى نمط واضح:

- لا تتقمص صوت الغرباء عنك، بل تتقمص أقرب الأصوات إلى قلبك.
- تنتظر أوقات الوحدة أو الإرهاق أو العزلة.
- تتكرر في الأماكن الهادئة، الريفية، أو المهجورة.
- النداء غالباً يكون مفاجئاً، وفي وقت غير منطقي -  منتصف الليل، أو في عز الصمت.

أما الهدف ؟  فهو غامض، لكن يتمحور حول: استدراج الضحية للخروج من مكانها الآمن وزعزعة الثقة بالحواس والواقع ، وربما - كما يعتقد البعض - اختراق إدراكك… والاقتراب أكثر من داخلك.

ظهور الكيانات المقلدة في الفلكلور العالمي
رغم أن مصطلح "الكيانات المقلدة" حديث نسبياً، إلا أن جوهر الفكرة متجذر في فلكلور مختلف الشعوب، ويظهر بصور متعددة تحمل جميعها نفس البذرة المرعبة: الخداع بالمألوف ، واليك النماذج :

1- الجن المقلد - الفلكلور العربي الاسلامي
يُعتقد أن الجن قد يتخذ هيئة شخص تعرفه أو يُقلّد صوته بدقة ليخدعك. تُحذر المرويات من الرد على نداء يأتي من خلف الباب أو بعد منتصف الليل، لأنه قد لا يكون بشرياً. هذا يشبه جوهر الكيانات المقلدة: خطر يتكلم بصوت الأمان.

2- النداهة - مصر 
من أشهر الأساطير الريفية المصرية، وهي كيان أنثوي يظهر عادة قرب الترع والمزارع، وينادي الضحية بصوت ناعم وعاطفي - غالباً بصوت مألوف - لاستدراجه إلى حتفه. تُجسد بوضوح فكرة النداء الصوتي المضلل ، أقرأ عن أسطورة النداهة.

3- المتحول الهيئة Skinwalker – أميركا
كائن خارق في فلكلور شعب الناڤاجو من الهنود الحمر، يتقن التحوّل إلى شكل إنسان أو حيوان، بل ويُقال إنه يستطيع تقليد صوت المقربين من الضحية. يُستخدم هذا الصوت لاستدراج أو ترويع الضحية قبل الهجوم.

4- تيكتيك Tiktik  - الفلبين
كيان أنثوي يُعتقد أنه يقلد صوت رضيع يبكي في الليل. تنادي النساء لجذبهن إلى مكان معزول، ثم تهاجم. فكرة استخدام صوت الطفولة والبراءة كأسلوب للإغواء تشبه بشدة أساليب الكيانات المقلدة.

5- الأرواح المقلدة في الغابات - أميركا الشمالية
تؤمن بعض قبائل السكان الأصليين بوجود أرواح تسكن الغابات، تنادي بأصوات الأحبة أو تستخدم أسماء الضحايا نفسها لتضليلهم. هذه الكائنات لا تظهر دائماً، لكنها تستدرج عبر الصوت وحده.

4- ليس غزالاً Not-Deer -  الولايات المتحدة 
هي أسطورة إنترنت عن ما يوصف بأن له شكل غزال لكنه يتصرف بطريقة مريبة، وأحياناً يُقال إنه يُصدر أصواتاً بشرية، مما يربك المراقب. رغم أن العلاقة غير مباشرة، إلا أن تقليد الشكل المألوف وتصرفه غير الطبيعي يجعله ضمن دائرة "التقليد المفزع".

قصة واقعية: من الذي ناداني من أسفل الدرج ؟
واحدة من أبرز القصص التي توثق ظاهرة الكيانات المقلدة، روتها السيدة ري فورتن من بريطانيا عن تجربة مرعبة عاشتها في صباها:

"في عام 1969، كنت في غرفتي أعمل على مشروع مدرسي، ويدايا مغطاتان بالطلاء. فجأة، سمعت الهاتف يرن، ثم جاء صوت والدي من أسفل الدرج يناديني:

'الهاتف لك!'

مسحت يدي ونزلت بسرعة. رأيت كل الغرف... فارغة. ومع ذلك، كان الهاتف مرفوعًا عن السماعة على طاولة المطبخ.

رفعت السماعة فسمعت صوت صديقتي كارين، تخبرني أنها تريد قضاء اليوم في الحصن القديم. وافقت، وخرجت.

لكنني لاحظت أن سيارة والدي لم تكن هناك، فافترضت أنه خرج بعد أن رد على الهاتف.

لاحقًا، وقت العشاء، قلت لوالدي:

'خرجت بعد مكالمتي مع كارين… شكراً لأنك ناديتني!'

فنظر إليَّ باستغراب وقال:

'لكنني كنت مع والدتك في المتجر طوال اليوم… لم أكن هنا.'

عندها، تجمدت في مكاني.

كنت وحدي في المنزل... فمن الذي ناداني؟
ومن الذي رد على الهاتف؟"

- انتهت -

- قصتها ليست فريدة. آلاف القصص المشابهة تنتشر حول العالم — عن أصوات مألوفة، تظهر من حيث لا يجب، وتُستخدم كطُعم من قبل "شيء آخر".


فرضيات التفسير العلمي
رغم غرابة هذه الظواهر، حاولت بعض العلوم تقديم تفسيرات عقلانية، منها:

1- الهلوسات السمعية المؤقتة
الضغط النفسي، قلة النوم، أو الوحدة الطويلة قد تدفع الدماغ لاختلاق أصوات مألوفة، خصوصًا تلك المرتبطة بالعاطفة. يسمع المرء من يحب حين يفتقده - كما يحدث أحياناً في الحزن الشديد أو الوحدة.

2- الذاكرة الصوتية والانطباعات المتأخرة
الدماغ يحتفظ بأصوات مقربة (أم، طفل، صديق) ويعيد تشغيلها فجأة في ظروف معينة، كحالة من حالات اللاوعي الجزئي.

3- شلل النوم Sleep Paralysis
يرتبط بحالات الاستيقاظ الجزئي مع عجز عن الحركة، ويترافق مع أصوات، وكيانات وهمية. لكن هذه الحالة لا تفسر كل الحوادث - خاصة تلك التي تحدث خلال اليقظة الكاملة، أقرأ عن حالة الشلل النومي.

4- التهيؤ السمعي Auditory Pareidolia
عقل الإنسان مبرمج لتمييز الأنماط  - ما يجعله يفسر أصوات الريح، أو نقرات عشوائية، كأنها كلمات أو نداءات مألوفة، خاصة في الظلمة أو التوتر.

5- الظواهر النفسية الإسقاطية
أحياناً، يتوقع العقل شيئاً، فيرى ويسمع ما يؤكده. يسمع صوت والده لأنه يتوقع سماعه. يرى شخصاً من بعيد ويعتقد أنه صديقه... في حين أنه ليس كذلك.

حين يُنادَى اسمك... تريث
الكيانات المقلدة ليست مجرد فكرة مرعبة في القصص والأساطير، بل قد تكون مرآة مشوشة للواقع النفسي والروحي للإنسان سواء كانت ناتجة عن خلل إدراكي أو كائنات تتربص في الظل، تبقى الحقيقة واحدة :

ليس كل من يناديك… يريدك أن تأتي.
وليس كل صوت مألوف… يستحق الثقة.

وفي زمننا المعاصر، لم يعد الأمر حكراً على الظواهر الخارقة فنحن نعيش عصراً ثورياً في الذكاء الاصطناعي، حيث باتت تقنيات تقليد الأصوات -  بما فيها أصوات أحبائنا – متاحة للجميع، بل وفي متناول اللصوص والمبتزين.

فقد تتلقى مكالمة من رقم مألوف، بصوت يطلب مساعدتك أو يستدرجك لمكان ما…لكن المتحدث ليس من تظن ، ولقد وقعت بالفعل جرائم احتيال مالي، سرقة بيانات، بل وحتى اختطاف، بعد أن تم انتحال أصوات الأصدقاء أو الأبناء باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.

وهكذا، فإن أكثر ما يطمئننا -  الصوت - بات الآن أحد أكثر أبواب الاختراق خطورة.

فكــن حــذراً.
ولا تثق بكل من يعرف اسمك… أو يعرف كيف يقلد من تحب.


0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ