![]() |
إعداد : كمال غزال |
من بين أشهر الكتب السحرية في التراث الغربي، يتردد اسم "مفتاح سليمان" Clavicula Salomonis كواحد من أكثر النصوص تأثيراً في تاريخ السحر الأوروبي، خاصةً في القرون الوسطى وعصر النهضة. لكن المفارقة أن هذا الكتاب نُسب زوراً وبهتاناً إلى نبي ارتبط اسمه في الديانات الإبراهيمية بالحكمة والنبوة، لا بالشعوذة أو استحضار الأرواح: النبي سليمان عليه السلام
ما هو "مفتاح سليمان" ؟
"مفتاح سليمان" هو كتاب شعائري يتضمن طقوساً وتعويذات سحرية، يستعرض أسماء الملائكة والشياطين، دوائر واستحضارات، وأدوات يُزعم أنها تُمكّن من السيطرة على الأرواح، جلب الحظ، الحماية، وحتى رؤية المستقبل.
توجد منه عدة نسخ مختلفة باللاتينية، اليونانية، العبرية، والإيطالية، ويُعتقد أنه جُمِع بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر.
من الناحية التاريخية والعلمية، لا يوجد أي دليل يُثبت أن النبي سليمان كتب هذا الكتاب أو كان له صلة به، أغلب الدارسين يتفقون على أن "مفتاح سليمان" هو مؤلف مجهول نُسب زيفاً إلى سليمان للاستفادة من هالته النبوية والحكيمة، حيث اعتُبر في العهد القديم والقرآن رمزاً للحكمة والسيطرة على الجن.
إن هذه الممارسة ليست غريبة على أدبيات السحر الغربي، إذ نجد أن كثيراً من الكتب السحرية نُسبت زوراً إلى شخصيات مقدسة مثل هرمس، موسى، وحتى يسوع، لتعزيز مصداقيتها بين القراء.
هناك نسخ فعلية من كتاب "مفتاح سليمان" محفوظة في مكتبات ومتاحف غربية مثل مكتبة بودليان في أوكسفورد ، أما من ناحية المضمون والمصداقية: فهو ليس أكثر من تجميع لمفاهيم سحرية وموروثات شعوذة مأخوذة من تقاليد متعددة : يهودية، كابالية، يونانية، مسيحية مبكرة.
موقف الإسلام
القرآن الكريم يردّ بشكل واضح على محاولة ربط النبي سليمان بالسحر، في قوله تعالى:
" واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر..." (البقرة: 102)
هذه الآية تنفي نفياً قاطعاً أي علاقة بين النبي سليمان والسحر، وتوضح أن من نشروا السحر هم شياطين الجن والإنس، وليس الأنبياء. وهذا يتماشى مع العقيدة الإسلامية التي ترى أن السحر كفرٌ وعملٌ شيطاني.
بالتالي، فإن أي كتاب يدّعي أنه من تأليف سليمان ويتضمن تعاويذ سحرية يُعد مرفوضاً إسلامياً ومشكوكاً في نسبه تاريخياً.
يظل "مفتاح سليمان" واحداً من أبرز الأمثلة على كيف يمكن للخرافة أن ترتدي ثوب القداسة، وكيف تُستغل الرموز الدينية الكبرى لتمرير أفكار باطنية أو شعائر محرّمة. وبينما يبقى هذا الكتاب موضوع بحث في تاريخ الأفكار الغربية، فإن الموقف الإسلامي حاسم في رفضه لكل ما يمت بصلة إلى السحر، مع صون مكانة الأنبياء عن مثل هذه الادعاءات.
نظرة على الكتاب
رغم توفر نسخ الكترونية على الانترنت ، إلا أن محتواه ليس سهلاً أو مباشراً، بل مليء بالرموز، واللغة القديمة، والأسماء غير المفهومة (غالباً "أسماء قوة" أو "كلمات سحرية" بلا معنى لغوي واضح) ، فهو يتطلب معرفة ببعض مبادئ الكابالا، السحر الشعائري، أو الفلسفة الهرمسية، ويجدر الذكر أن العديد من النسخ المتداولة على الإنترنت هي مختصرة أو مشوّهة، وبعضها تم تعديله بإضافات حديثة غير موجودة في المخطوطات الأصلية.
بعض المهتمين بالمجال يعتقدون أن التورط في محتوى كهذا قد يؤثر على نفسية الشخص الضعيف أو المهووس بالغيب، خاصةً مع طقوس تتطلب الخلوة، الصمت، واستحضار قوى غير مرئية.
يُقسّم الكتاب عادة إلى قسمين:
- الجزء الأول ويحتوي على تعليمات لرسم الدوائر السحرية، وتلاوة أسماء يُزعم أنها ملائكية.
- الجزء الثاني: يتضمن تعاويذ وأدوات للتحكم في الشياطين، وتحقيق الرغبات المختلفة.
رموز وتعويذات
لا يقتصر كتاب مفتاح سليمان على النصوص المكتوبة فحسب، بل يعتمد بشكل كبير على الرموز الغامضة والأحرف السحرية التي يُعتقد أن لها قدرة على استحضار الأرواح أو التحكم بها. من أشهر هذه العناصر:
- الحروف العبرية: تُستخدم لكتابة أسماء الملائكة أو القوى الروحية، لاعتقاد راسخ في الكابالا أن لكل حرف عبري طاقة كونية.
- أسماء الملائكة: مثل ميكائيل، رافائيل، وجبريل، تُوظف في طقوس الحماية أو الاستدعاء، لكنها تُستخدم بطريقة خارجة عن السياق الديني المألوف.
- الرموز الماجية (Magickal symbols): كنجمة داوود، والدائرة السحرية، والنجمة الخماسية (Pentagram).
- سيجيل (Sigil) وهي رموز مرسومة خصيصاً لتمثيل نية سحرية أو استدعاء روح معينة. يتم تصميمها عبر إعادة ترتيب حروف اسم الروح أو الغرض، ثم تبسيطها في شكل رسومي، وغالباً ما تُحرق أو تُدفن بعد الاستخدام.
طقوس التحضير والمواد المستخدمة
قبل أداء أي "عمل"، يلتزم الساحر بسلسلة من الطقوس التحضيرية، غالباً مأخوذة من الطقوس الكهنوتية القديمة:
- الطهارة الرمزية: مثل الصيام، أو الاغتسال بماء وأعشاب، أو البخور.
- رسم الدوائر السحرية: يُعتقد أنها تحمي من الأرواح الشريرة أثناء الاستدعاء.
- حبر سحري: يُكتب به التعاويذ والرموز، وغالباً ما يحتوي على زعفران، دم التنين (نوع من الراتنج)، أو حتى دم الحيوان.
- بخور خاص: مثل اللبان والمر والمسك، لكل نوع دلالة روحانية مختلفة.
- تمائم وأدوات معدنية: مثل الخنجر (Athame)، أو العصا السحرية، تُستخدم للتوجيه والتركيز.
هذه الممارسات تُظهر أن السحر كما يُعرض في "مفتاح سليمان" ليس مجرد خيال، بل نظام شعائري معقد قائم على الرمزية والانضباط الطقسي.
أنواع القرابين المقدمة
رغم أن بعض نسخ مفتاح سليمان لا تحتوي على تعليمات واضحة للقرابين الدموية، إلا أن النسخ الكاملة أو المتأثرة بالكابالا اليهودية والهرمسية الغربية تتضمن إشارات صريحة إلى تقديم قرابين رمزية وأحياناً حيوانية ضمن طقوس استحضار الأرواح أو السيطرة عليها ومن أبرز أشكال القرابين المذكورة
- دم الحيوان
في بعض الطقوس يُطلب من الساحر أن يذبح ديكاً أسود أو خروفاً صغيراً، ويستخدم دمه في رسم الرموز السحرية أو كتابة أسماء الأرواح.
- البخور كقربان
يُطلب حرق أنواع معيّنة من البخور (اللبان، الميرمية، المرّ، الراتنج)، باعتبارها قرابين روحية ترضي الكائنات المستدعاة.
- عناصر رمزية أخرى
مثل تقديم خيوط من الشعر، أوراق من نباتات محددة، أو ماء طاهر يُقرأ عليه أسماء الأرواح.
- أشكال أكثر تطرفاً (في بعض النسخ المتأخرة)
تُوجد إشارات غامضة لبعض "القرابين الحمراء" أو "طعام الأرواح"، وهي مصطلحات مبطّنة قد ترمز إلى قرابين دموية أو أعمال مؤذية، لكنها لا تُذكر بشكل صريح دائماً.
النباتات المستخدمة
1- الزوفا Hyssop
يُستخدم في طقوس التطهير وغسل الأدوات السحرية ، يُقال إن له قدرة على "تقديس" الأدوات وإبعاد الكائنات الشريرة ، ذُكر أيضاً في طقوس التطهير في العهد القديم.
2- الآس Myrtle
نبات مرتبط بالحماية وجلب الطاقات الإيجابية ، يُستخدم في البخور أو يُعلَّق في مكان الطقس.
3- الشيح Wormwood
يُستخدم لطرد الأرواح السفلية أو "أرواح الظلمة" ، له رائحة نفّاذة ويُحرق كبخور في بعض الطقوس.
4- اللبان Frankincense
لا يُعتبر نباتاً كاملاً، لكنه راتنج من شجرة ، يُستخدم في البخور المصاحب لقراءة التعويذات ، ويرمز إلى "حضور الروح" في الممارسات الغنوصية والقبّالية.
5- الحرمل Rue
معروف بطرده "للعين" والطاقات السلبية في الثقافات الشعبية، لكنه يُذكر أيضاً في بعض نسخ الطقوس السحرية الأوروبية كأداة للحماية من الأرواح.
6- الورد المجفف
يُستخدم في طقوس الحب أو الجذب ، غالباً ما يُخلط مع زيوت أو بخور.
7- النعناع البري Catnip وبلسم الليمون
تُستخدم لتهدئة الأرواح المستدعاة أو تسهيل "فتح البصيرة".
هل هناك صلة بين "مفتاح سليمان" و "شمس المعارف" ؟
يعد "شمس المعارف الكبرى" أشهر كتب السحر في العالم العربي، يُنسب للإمام البوني، ويجمع بين الأوفاق، التعاويذ، وأسرار تسخير الجن في إطار روحاني غامض ، لا توجد أدلة تاريخية على أن كتاب "شمس المعارف" نُسِخ أو استُلهِم مباشرة من "مفتاح سليمان". لكن يُمكن القول إن كلاهما ينتمي إلى تيار عالمي مشترك من "كتب السحر الشعائري" التي ظهرت في أزمنة مختلفة، لكنها تشترك في محاولة السيطرة على المجهول عبر الرموز، والطقوس، والكتابات الغامضة، فيما يلي استعراض لنقاط التشابه والاختلاف بين المرجعين المهمين في الشعوذة :
- "مفتاح سليمان" نشأ في البيئة الغربية المسيحية واليهودية الباطنية (الكابالا) أما "شمس المعارف" كُتب بالعربية في البيئة الإسلامية الصوفية/الشعبية، وينسب للإمام البوني (622 هـ).
- " مفتاح سليمان" انتشر في أوروبا (عصر النهضة وما بعدها) أما "شمس المعارف" انتشر في العالم الإسلامي، خصوصاً شمال إفريقيا والشام.
- "مفتاح سليمان" يستخدم العبرية واللاتينية بينما "شمس المعارف" يستخدم العربية، الحروف الأبجدية، وأسماء الله الحسنى.
- "مفتاح سليمان" يستند إلى أساطير عن الملك سليمان وارتباطه بالشياطين أما "شمس المعارف" يُحاول أن يُظهر ارتباطه بـ"العلم الروحاني" الإسلامي رغم احتوائه على طقوس محرّمة.
- من حيث الموضوع كلاهما يتناولان طقوس سحرية ، تعاويذ ، و استحضار الأرواح أو الجن لكن "شمس المعارف" يتناولها بأسلوب أكثر صوفي/إسلامي.
- من حيث الرموز يذكر "مفتاح سليمان" دوائر سحرية، أسماء ملائكة/شياطين، أحرف عبرية ولاتينية في حين "شمس المعارف" يذكر أسماء الله الحسنى، تسخير الجن، الأوفاق، رموز غير مفهومة.
- ومن حيث الهدف يتفقان على السيطرة على الأرواح/الجن وتحقيق الرغبات والحماية ، الجلب، التفريق، كشف الغيب، الخوارق.
- ومن حيث الطريقة يقدم "مفتاح سليمان" شعائر طقسية مع أدوات كالخنجر، بخور، وحبر سحري، في حين يقدم "شمس المعارف" تلاوات، أوفاق، أدعية سريّة (عزائم)، بخورا.
رغم أن "مفتاح سليمان" و"شمس المعارف الكبرى" ليسا من نفس البيئة، إلا أنهما يتشابهان من حيث الهدف والنهج الرمزي الطقوسي، ويعكسان رغبة الإنسان القديمة في تسخير قوى غير مرئية لتحقيق رغبات دنيوية. وكلاهما مرفوض دينياً وخطير نفسياً، ويجب الحذر من الاقتراب من محتواهما.
تنويه هام وإخلاء مسؤولية
هذا المقال يُقدَّم لأغراض معرفية وثقافية فقط، ولا يحمل بأي حال من الأحوال دعوة أو تشجيعاً على التعامل مع السحر أو ممارسته أو الاقتراب من تعاليمه.
إن السحر في الشريعة الإسلامية محرَّم تحريماً قاطعاً، ويُعد من الكبائر التي تُخرج عن الملة عند الإيمان بها أو ممارستها. كما أنه قد يسبب ضرراً نفسياً وروحياً شديداً على من يعبث به أو يسعى خلفه.
ما ورد هنا من معلومات حول كتاب "مفتاح سليمان" وتاريخه وأدواته هو فقط لتسليط الضوء على خلفيته التاريخية والثقافية، وتحذير القارئ من الانسياق وراء خرافاته أو الرموز المرتبطة به، خصوصًا مع انتشاره على الإنترنت دون رقابة.
كل من يقرأ هذا المقال مدعو للتعامل مع هذه المواضيع بحذر، وبتقدير لما قد تحمله من مخاطر دينية ونفسية.
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .