![]() |
إعداد : كمال غزال |
في زوايا التاريخ الأوروبي المظلمة، وفي صفحات غامضة من كتب السحر المعروفة باسم "Grimoires"، ظهرت واحدة من أكثر الرموز إثارةً للرعب والفضول: " يد المجد " Hand of Glory. لم تكن مجرد تعويذة، بل كانت أداة سحرية مشبعة برائحة الموت والجريمة، تُصنع من يد مقطوعة لمجرم تم إعدامه شنقاً، وتُستخدم كشمعة لارتكاب السرقات والشعوذة.
لكن كيف وُلدت هذه الأسطورة ؟ ولماذا آمن بها السحرة واللصوص ؟ وما كان موقف الكنيسة من هذه الممارسة التي تجمع بين طقوس الموت والسحر الأسود ؟
ما هي "يد المجد" ؟
"يد المجد" هي يد يمنى تُقطع من جسد لصّ أو مجرم أُعدم شنقاً، غالباً عند تقاطع طرق (مكان كان يُعتبر ذا قوى خارقة). تُجفف هذه اليد طقسياً باستخدام مكونات خاصة، ثم تُحوّل إلى شمعة أو تُستخدم لحمل شمعة مصنوعة من دهن الجثة نفسها.
ويُقال إن إشعالها يُحدث تأثيراً خارقاً، مثل شلّ حركة الموجودين في المكان أو إدخالهم في سبات عميق ، فتح الأبواب الموصدة دون كسر أو مفتاح أو منح السارق أو الساحر القدرة على التخفّي.
كيف تُصنع يد المجد ؟
وردت طريقة صناعتها في كتاب "Petit Albert" الفرنسي في القرن 18:
" تُؤخذ اليد من المجرم عندما لا يزال معلقاً على المشنقة، وتُجفف باستخدام خليط من الملح والدم وأعشاب مثل القراص والبيلادونا، ثم تُغطى بالشمع الممزوج بدهن الميت، وتُشعل الأصابع لتعمل كشمعات."
أما الشمعة التي تُستخدم معها فقد كانت تُصنع من دهن المجرم نفسه مع دم البومة أو دم القط الأسود مع رماد أعشاب سامة.
الظهور التاريخي وانتشار الممارسة
تعود أقدم الإشارات إلى القرن 16، وبلغت ذروتها في القرنين 17 و18، مع انتشار كتب السحر الاسود الشعبية grimoires ، كانت شائعة في فرنسا، بريطانيا، وألمانيا، حيث شاع استخدام الجثث المشنوقة لأغراض سحرية.
يُعتقد أن أصل الفكرة أقدم من ذلك، وربما تعود إلى الديانات الوثنية الأوروبية التي كانت تستخدم أعضاء الموتى في طقوس الاستحضار أو التنبؤ.
رمزيتها السحرية
"يد المجد" لم تكن مجرد أداة مادية، بل رمزاً للسيطرة الكاملة على الإرادة البشرية، فهي تُجمد الحركة وتُحكم السيطرة على المنزل وتجعل من يحملها سيداً على المكان، ولو لليلة واحدة.
ردّ الكنيسة ومحاكم التفتيش
الكنيسة الكاثوليكية واجهت هذه الممارسات بشدة ، وحرّمت استخدام أعضاء الموتى لأي غرض سحري أو غير ديني ، وفي محاكم التفتيش، كان امتلاك يد بشرية مجففة يُعد دليلاً كافياً على ممارسة السحر أو الشيطنة ، آنذاك تم إحراق المئات ممن اتُّهموا باستخدام "يد المجد" أو أدوات مشابهة ، وفي بعض الحالات يجري دفن اليد مع الساحر أو تحطيمها بصلبان حجرية لطرد الأرواح.
في المتاحف والموروث الشعبي
بعض المتاحف لا تزال تحتفظ بما يُعتقد أنه "يد المجد" (الظاهر في الصورة)، كمتحف ويتبي Whitby Museum في شمال يوركشاير بإنجلترا ، تم اكتشاف هذه اليد في أوائل القرن العشرين مخبأة في جدار كوخ في قرية كاسلتون بواسطة الحجار والمؤرخ المحلي جوزيف فورد ثم جرى التبرع بها إلى متحف ويتبي في عام 1935. ويُعتقد أنها اليد الوحيدة الباقية من نوعها.
كما ألهمت هذه الأسطورة أدب الرعب، مثل رواية تحمل نفس الاسم "يد المجد" The Hand of Glory من الأدب القوطي ، كما ظهرت ضمن رموز في عالم هاري بوتر ، واستُحضرت في عدد من قصص القصاصين الشعبيين البريطانيين.
فرضيات التفسير العلمي
- قد تكون الممارسة مرتبطة بالرهبة من الجثث وقوة الموت في العقل الجمعي.
- ربما استُخدمت لترهيب الناس نفسياً، مما يجعلهم يغيبون عن الوعي دون حاجة لقوة خارقة.
- فكرة إشعال أصابع اليد هي أسطورة أدبية على الأرجح، إذ لا يمكن للأصابع أن تحترق كشموع حقيقية.
بين الأسطورة والظلام
"يد المجد" تُمثل واحدة من أكثر الطقوس الرهيبة في تاريخ السحر الشعبي، حيث يلتقي الموت بالجريمة، والسحر بالدهاء. كانت أداة في يد اللص والساحر، ووسيلة للتخويف والإخضاع. لكنها أيضاً انعكاس لمخاوف الإنسان القديمة من قوة الميت، ومن أن اليد التي أُزهقت منها الروح قد تعود... لتُطفئ أنوار اليقظة وتُشعل ظلمة الغموض.
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .