![]() |
إعداد : كمال غزال |
في السنوات الأخيرة، ظهرت موجة من القصص المؤثرة التي تزعم أن بعض الأطفال المصابين بالتوحّد غير الناطقين قادرون على ممارسة "التخاطر" - أي استقبال أفكار من حولهم دون استخدام أي وسيلة تواصل تقليدية. قصص تحبس الأنفاس، وتحمل معها وعوداً لأهالٍ يتوقون منذ سنوات لفهم أطفالهم.
قصص تحرّك المشاعر وتطرح الأسئلة
أشهر هذه القصص ظهرت في بودكاست أمريكي بعنوان "The Telepathy Tapes"، حيث روى آباء وأمهات كيف أن أبناءهم - رغم صمتهم - كانوا يتهجون أرقاماً أو كلمات لم يسمعوها، فقط لأن أحد الوالدين كان يفكّر بها.
من بين القصص:
- "ميا"، فتاة مكسيكية غير ناطقة، تمكنت من تهجئة رقم سرّي كان في عقل والدتها.
- "هيوستن"، شاب من جورجيا، حدّد بطاقات لا يراها لكنها في يد والده.
- وغيرهم من الأطفال الذين بدا أنهم "يقرؤون" الأفكار.
المثير أن كل هذه القصص كانت تحدث فقط عندما يكون أحد الأهل أو المساعدين بجوار الطفل، ممسكاً بلوحة الحروف أو الجهاز.
لكن، ماذا يحدث عند فصل الطفل ؟
عندما تمّت محاولات فصل الطفل عن المساعد، أو عند إخفاء المعلومات تماماً عن الطرفين، اختفت "القدرة التخاطرية" فجأة.
هذا يعيد إلى الأذهان ما حدث في التسعينيات في ما عُرف بـفضيحة "التواصل المُيسّر"، حيث اعتُقد أن الأطفال غير الناطقين يتواصلون باستخدام لوحات وأجهزة بمساعدة مرافقين، لكن الدراسات أثبتت لاحقاً أن الرسائل كانت تأتي من المساعدين أنفسهم دون وعي، لا من الأطفال.
بمعنى آخر، ما يُظن أنه "تخاطر" في كثير من الحالات، هو في الواقع إيحاءات غير مقصودة أو نتيجة لرغبة عاطفية قوية بالتصديق.
أين يقف العلم ؟
حتى اليوم، لا يوجد أي دليل علمي موثوق يثبت وجود التخاطر. علماء النفس والأعصاب الذين درسوا هذه الحالات لاحظوا أنها تنهار تماماً عندما تُجرى في بيئة علمية محكمة ، أي بدون مرافق يعرف الجواب، وبدون تواصل غير مباشر.
لكن هذا لا يعني أن أطفال التوحّد غير الناطقين لا يملكون قدرات مدهشة. بعضهم يمتلك بالفعل مواهب خارقة في الحساب أو الرسم أو الذاكرة، وهي حالات موثقة علمياً، وتُعرف باسم "القدرات الخارقة ضمن التوحّد" Savant Syndrome. الفرق أن هذه القدرات رغم ندرتها تُفسّر ضمن حدود الدماغ البشري، وليست خارج قوانين الطبيعة.
أما التخاطر، فهو يخرج عن نطاق الفيزياء والبيولوجيا كما نعرفها، ويتطلب إثباتاً دقيقاً صارماً لا يمكن تجاهله، وهذا لم يحدث حتى الآن.
خلاصة القول
نحن نفهم تماماً ألم الأهل الذين لم يسمعوا صوت أبنائهم يوماً، ونفهم رغبتهم في تصديق أن هناك وسيلة خفية للتواصل. لكن الواجب الإنساني والعلمي يدعونا للتمييز بين ما هو مؤثر... وما هو مثبت.
إن كان في قلوبنا أمل، فلنوجّهه نحو وسائل التواصل الحديثة الموثوقة، ونحتضن أطفالنا كما هم، دون تحميلهم أحلاماً قد لا تكون من واقعهم.
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .