تحليل : د. سليمان المدني |
تتلخص تجربة الأخ فادي بأنه بعد جلسة سمر واحتساء للمشروبات الروحية مع أصدقائه داخل سيارته في منطقة نائية وحوالي منتصف الليل، بأنه وضع رأسه فجأة على مسند مقعد السيارة للحظات وهنا أحس بأن شيئاً ما يحاول خنقه رغم أنه لايراه، وبدأ عندها بالصراخ والبكاء فظن اصدقائه بأنه ثمل (سكران)، ولكن بكائه تحول فجأه إلى نواح شديد في حين بدأت قدمه اليمنى تنتفض بقوة إلى درجة أنه لم يتمكن من السيطرة عليها لإيقافها.
مكبوتات العقل الباطن
في الواقع هذه الأعراض لا تمت لحالات المس الشيطاني بأي وجه من الوجوه وأن الذي حدث هو أنه بتناوله كمية أكثر من المعتاد من الخمر.. الذي يسبب في بعض الحالات فضفضة في قدرة العقل الواعي على الترنم بمحيطه مما يسمح للعقل الباطن بالتدخل بالحالة الواعية..حيث تبرز بعض المكبوتات على السطح في محاولة منها للتنفيس عن معاناة صاحبها، بحيث يشعر الإنسان بهذه الحالة بأنه يقول الشيء ولا يقوله..بمعنى آخر لايصدق أن ما يقوله هو من عنده لأنه يجهل حقيقته، ويعتقد بأن هناك من ينطق بلسانه أو يستخدم جسده للتعبير عن أحاسيس لايعلمها بحالة الوعي.
فبكاءه ونواحه الهستيري هو فعل خارج عن إرادته الواعية، ولكنه تنفيس عن مكبوتات في أعماقه .. فهو يرغب في قرارة نفسه أن يختلي مع ذاته ليبكي وينوح سواء بسبب تأنيب الضمير أو لدوافع أخرى، ولكن خجله وغروره بنفسه يجعله يرفض هذه الأحاسيس بحالة الوعي الكامل. وهو في حالته هذه متواصل بين الوعي واللاوعي بحيث تبقى ذاكرته يقظة تسجل الأحداث التي يعبر عنها لاوعيه بطريقته الخاصة.
وحتى قدمه اليمنى التي راحت تنتفض بقوة بحيث لم يعد يمتلك القدرة على إيقافها، فهي تعبر عن توتر عصبي خفي شاء العقل الباطن أن ينفس عنه بهذه الاختلاجات في قدمه اليمنى ثم بقدميه الاثنتان عندما وصل إلى الشيخ.
جلسة عند شيخ
ويتابع الأخ فادي روايته بالقول :
- " بعد قليل قام صديقي وأخذني إلى شيخ مسلم كان قريباً من المكان الذي كنا نجلس فيه وقيل أنه يتعامل مع الجن، لكي يقرأ علي من القرآن الكريم مع العلم بأنني مسيحي وقام الشيخ بقراءة سور من القرآن ولم أذكر بعدها سوى أنهم كانوا يمسكون بي لتثبيتي على الأرض وأنني كنت أقاومهم وأتصرف كالمجنون وأنظر إليهم نظرات مليئة بالكراهية ولو كانوا أفلتوني لكنت انقضضت على أحدهم. والمثير أنني كنت أحياناً اضحك بصوت عال جداً، كانت ضحكات سخرية، وقد اخبرني أصدقائي فيما بعد بأنني كنت وقتها أقاوم بقوة كبيرة لدرجة أنهم اضطروا جميعاً لتثبيتي، وكنت أحياناً أرفعهم بقوة مع العلم أن وزني لا يتجاوز 55كيلوغرام " .
وبالطبع فإن هذه التصرفات توحي بما في عقله الباطن من تناقض روحي. فلاوعيه هو الذي رفض التعامل مع الشيخ لأنه لا يمثل معتقده الإيماني بحيث كان ينظر للشيخ كما يقول نظرات مليئة بالكراهية، وكان يضحك بصوت عال جداً وبشكل ساخر، بمعنى أنه كان يسخر من الشيخ ويضحك على قراءاته. وطبعاً فإنه في هذه الحالة غير مسؤول عن تصرفاته لأن من يفعلها هو عقله الباطن المسيطر على الجسد، ولأنه عقله الواعي لا يملك في هذه الحالة إلا أن يتفرج على ما يحدث.
ويتابع فيقول:
- " بعد وقت قصير هدأت فجأة فرفعوني وأجلسوني على المقعد ولكن الأمر لم ينتهي عند هذا الحد إذ بدأت رجلاي بالانتفاض بشكل غير إرادي مرة أخرى دون تمكني من السيطرة عليها، فقال الشيخ أنه لا يستطيع أن يفعل لي أكثر من ذلك لأنني كنت أشرب الكحول، مع العلم أنني لم أكن فاقداً لقواي العقلية بسبب المشروب " .
سبب هدوئه ليس قراءة القرآن وإنما شعوره بالانهاك الذي تطلب بعض الراحة ليبدأ من جديد.. فعندما استراح قليلاً عادت إلبه حالات الانتفاض ليكمل لا شعوره تفريغ ما لديه من شحنات عصبية متوترة. وحسناً فعل الشيخ عندما اعتذر عن إتمام العلاج لأن استمراره سيؤدي إلى مزيد من الإهانة وسوء الفهم من قبل المريض.
جلسة عند قسيس
ويتابع الراوي فيقول:
- " بعدها أخذني أصدقائي إلى المنزل، فوضعت الإنجيل تحت مخدتي ونمت، وفي اليوم التالي عادت حالتي إلى الوضع السابق ( بكاء و خوف وانتفاض قوي في رجلي اليمنى). وهذا يؤكد أن وضع الإنجيل تحت الوسادة لم يؤدي للشفاء، وإنسبب نومه هو الإنهاك الشديد، حيث عادت حالته في صبيحة اليوم التالي إلى ما كانت عليه من قبل " .
ماذا فعل القسيس ؟!
- " ففزعت أمي لحالي هذا وقامت بالاتصال بأحد القساوسة فأتى في الحال وبدأ يقرأ علي من الإنجيل، وعندها لم أستطع السيطرة على نفسي فبدأت أضحك ضحكاً هستيرياً فيما كان القس يقول لي وكأنه يخاطب شيء ما بداخلي : "خبرني ما هو اسمك وإلا أحرقتك بالماء"، فبدأت أنطق باسم غريب لا أذكره أو ربما كان اسمي ولكن بلهجة غريبة، فقال القس:" اخرج من يده "، وفجأة ارتفعت يدي لوحدها ولكن هذا الشيء لم يخرج، استمر القس بالطلب منه أن يخرج وبعدها طلب منه أن يخرج من لساني وفجأة فتحت فمي لا إرادياً بينما أرفع لساني إلى فوق ،ثم هدأت للحظات واختفى كل شيء، وأحسست بعدها براحة كبيرة " .
الواقع أن ما فعله القسيس هو نوع من التنويم الإيحائي الغير عميق ولا مباشر. فالذي تحدث من داخل المريض هو عقله الباطن المتجلي في هذه الحالة، حيث كان يتلقى الأوامر وينفذها كالمنوم مغناطيسياً..سواء عندما ارتفعت يده، أو فتح فمه..إلخ..
وبكل الأحوال فإنه لو ترك المريض على حاله دون تدخل من أحد لثلاثة أيام على الأكثر لكان عاد إلى طبيعته بعدما تفرغ شحنته تماماًـ، وكذلك لو عرض على طبيب وأعطاه بعض المسكنات لمرت الحالة بهدوء وبنفس المدة الزمنية. وعليه فلم يكن للشيخ ولا للقسيس أي دور حقيقي في حالة العلاج.. ولا فضل لأي منهما على الآخر.
نبذة عن د.سليمان المدني
يحمل د. سليمان المدني (58 سنة) دبلوم دراسات عليا في الباراسيكولوجيا (ما وراء النفس) من كلية ولاية نيويورك ، ولديه من الخبرة 30 سنة حيث زاول العلاج بطريقة التنويم المغناطيسي واكتسب مع الوقت طرقاً للتمييز بين حالات المس الشيطاني والحالات النفسية الأخرى كما عالج ما يسمى بحالة "المس الشيطاني" بالتنويم المغناطيسي. وأصدر العديد من المؤلفات حول التنويم وتفسير الأحلام والتقمص وآخر مؤلفاته (الصيدلية الروحية) الصادر عن دار دمشق عام 2010 ويزود موقع ما وراء الطبيعة بخبرته في هذا المجال كخبير معتمد فيه.
ملاحظة
ما تقدم يعبرعن رأي خبير معتمد لدى موقع ما وراء الطبيعة له إختصاص محدد، بنى رأيه وفقاً لما توفر له من معطيات، ولكن هذا لا يعني أنه الرأي الوحيد فقد يكون لخبراء معتمدين آخرين رأي مختلف أو يناقض ما أتى ، إدارة الموقع ترحب بتنوع الآراء حيث تجد فيه أمراً صحياً وطبيعياً.
آخر تحليلات د.سليمان المدني
- دهليز الموت
- أمنية الصغر
- الوجه الدامي
- زائرة السرير
- الجاثي قرب درب الصحراء
آخر تحليلات د.سليمان المدني
- دهليز الموت
- أمنية الصغر
- الوجه الدامي
- زائرة السرير
- الجاثي قرب درب الصحراء
10 تعليقات:
شكــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــراً أستاذ سليمان على التحليل المنطقي ..
نعم فهذه الظاهرة تعتبر غريبة بعض الشيء أظن السبب كان من الهلوسة التي سببتها له المشروبات الكحولية و اذا كان الوضع على هذه الحال يسبب دخول الجن إليه و الوسوسة ... فيقوم بحركات لا إرادية و إنفعالات عصبية و هذه إحدى عوامل شرب الكحول .. و إن من صفات الجن أنها تدخل و توسوس في الحالات مثل هذه بسبب ضعف الدين , تقطيع الصلوات ( أو عدم الصلاة أصلاً ) قلة الذكر ( الغفل ) .....إلخ . و هذه أيضاً عوامل يسببها شرب الكحول .. أو أنه تناول الكحول بجرعة كبيرة قليلاً في هذه الحالة يصبح الإدمان عليها بطريقة جنونية .. و إن تناولها بجرعة أكبر فسيموت .. و من تأثير الكحول هي : إنفعالات عصبية , هيجان , هذيان , هلوسة , التأثير العاطفي , الخمول , و قد يحاول الإنتحار ,يصبح المريض في حالة مستعصية و أيضاً يصاب بالرجفة و الترنح , و أيضاً تولد لديه تصورات إجرامية و فساد خلقي .. كل هذه من أثر الكحول .. و علاقة بالجن أيضاً .. و أيضاً تصبح لديه أفكار فساد كمحاولة الزنا مثلاً و اللواط و السرقة ...........
25/10/2010، 7:34:00 ص
رائع د . سليمان أنت رائع وتحليل ينم عن علم
25/10/2010، 12:06:00 م
أين ذهبت الإعلانات
25/10/2010، 1:02:00 م
التحليل يفسر كل شئ ماعدا انتفاض الرجلين (شيء يذكرني بتاُير السموم للجهاز العصبي). تحليل د. سليمان مبني على ان الاخ فادي اكثر من شرب الخمر, لكنه اخبرنا من قبل في تعليقه على تجربته, انه شرب علبة جعة واحدة.
بإعتقادي ان ما حصل هو تسمم نتيجة لدغة عقرب او حية او اي من الحشرات التي توجد في الاماكن المقفرة, قد تكون لدغت الاخ فادي دون ان يشعر بالدغة وقد يكون السم له تأثير اخر بالخلط مع القليل من الكحول على الجهاز العصبي اخذاً بالاعتبار ان جميع السموم الطبيعية توءثر على الجهاز العصبي. كان على الاخ فادي الاسراع الى المستشفى و عمل تحليل للدم.
الاخ فادي انصحك بعمل فحص طبي لنفسك و افحص جلدك لاحتمال وجود اثار لدغاث (اذا الحادثة لم تكن ببعيدة)
25/10/2010، 1:06:00 م
أحياناً كثيرة يشرب الإنسان الخمر ولا يتأثر به.. وأحياناً تكفي جرعة قليلة منه للانهيار مع نفس الشخص المدمن. لأن تناوله المشروب على فترات طويلة يؤدي إلى إتلاف الأعصاب وخلايا المخ بشكل تدريجي.. وأخيراً تكفي جرعة بسيطة منه لظهور التأثير الذي كان مغلفاًبقشة صغيرة كما يقولون.
إن ماحدث هو فضفضة في قدرة العقل على الترنم، أي توسعة في مداركه العقلية. وهي حالة خلل عقلي مؤقت يمكن للعقل الباطن أي يسيطر على الجسد ويبيح من خلاله بمكنوناته دون قدرة العقل الواعي على منعه. وفي هذه الحالة فإن الاختلاجات التي اعتقد بعض المشاركين أنها ناتجة عن حالة تسمم أو عقصة عقرب أو لسعة أفعى.. هي ترجمة لآوامر العقل الباطن الذي يسعى لإصلاح الخلل في الجسد المادي. فعندما تكون هناك حالة ضعف تروية في منطقة ما من الجسم تنشأ هذه الاختلاجات والانتفاضات لتوسعة الشرايين وإصلاح الخلل في مكان ما من الأوردة الدموية.او لإصلاح التوتر العصبي في مكان ما من الجسد. بمعنى ان الانتفاضات المذكورة هي ظاهرة صحية وليست مرضية.. وأنهاحالة مصالحة مابين الجسد المادي واللاوعي الذي يسعى لإصلاح مايصيب الجسد من خلل عضوي بين وقت وآخر.
25/10/2010، 7:41:00 م
الدكتور سليمان المدني أشكرك على هذا التحليل الوافي والنابض بالنور والحقيقه والإبداع
26/10/2010، 2:09:00 ص
تحليل وافي يعزز الراي الذي ادليت به في الموضوع.
26/10/2010، 3:37:00 ص
غير معرف
يقول...ام لوجين
اشكر الاستاذ سليمان على هذا التحليل الرائع
وفعلا لا اعتقد انها حالة مس من الجن لان تلك
الحالة استمرت يومين ولم اقرأ فى حياتى عن مس استمر هذه الفترة القصيرة ومع احترامى لكلام
القس الا انى اعتقد انه علم انها حالة نفسية لا
اكثر وانه قام فعلا بالتنويم المغناطيسي للايحاء
لصاحب المشكلة بانه يخلصه من المس
ملحوظة.... انا مسلمة واحترم الديانة المسيحية
وكان لى اصدقاء مسيحيون فى الدراسة وعلاقتى بهم
جيدة وكذلك ابى رحمه الله
27/10/2010، 11:55:00 م
طليف الروح
يقول...ربما لذهآب العقل دور في تشتت الافكآر .. ولا شك بآنه يعيش في دوامه تختزل في داخلها مشاهد كثيره لا حصر لها سيناريو لما رأته العين مع وساوس خارجيه عن منطق الحس الارادي ربما يكون فيها بعض المس الروحي .. يؤثر على الاعصاب التي تعطي اشارات يعتقد من خلالها بانه مخنوق او ان شي يخنقه وهو ليس كذالك والله اعلم .
29/10/2010، 12:15:00 ص
الحمد لله؛ يا دكتور سليمان . ماالمانع ان تكون هذه الحالة مس من الجن فقد رأيت وتعاملت مع كثير من هذه الحالة ؟ وتحية لك .
09/09/2012، 2:32:00 ص
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .